جلس إلى مكتبه في زاوية من قسم الاستقبال في إحدى الإدارات الكبرى وكانت عيناه غائرتين شبه مفتوحتين ربما من فرط السهر أو من كثرة النظر إلى البعيد جدّا، وهذا الأقرب إلى ظني وهل يوجد هذه الأيام بُعد أبْعد من النظر إلى «رحبة علوش العيد» تلك السوق التي يستوي فيها سعر الخروف حتى وإن كان في حجم قط بسعر ناقة حبلى على أبواب المخاض. كان الرجل منهمكا في الحساب على ورقة جمعا وطرحا وقسمة وضربا للأخماس في الأسداس خلته في البداية يضبط «كُونبينة» للفوز بالرهان الرياضي أو للظفر برهان سباق الخيل لولا أنه رفع رأسه سائلا زميله قائلا: أتعرف يا عبد الله كم تبلغ كلفة عصبان العيد هذه السنة سلْقا، ومعدنوسا ودبشة وسبناخا وبصلا وثوما وتوابل شرقية من «السند والهند».. و... و...؟ ضحك عبد الله وقال: أعرف أن عصباننا يكون أقل كلفة لو حشوناه مالا عوضا عن حشوه خضرا تباع ب«العرْشة» وتوابل بالقسطاس. بعض الصمت يعود على إثره صاحبنا إلى عبد الله بالسؤال: قائلا: أيهما تختار يا عبد الله «عصبانة» من يدي هيفاء وهبي؟ أم لحمة الكتف من يدي نانسي عجرم؟ أم قصعة كسكسي بالمسلان من يدي الجازية الهلالية؟ أم طبقا مشويا على نار الحب بال«آس آم آس»؟ أم أنك تخيّر نصيبا وافرا من وسخ الدنيا «أي من المال ما دمت شهّارا.. وما استقبلت يوما رأس الشهر إلا وهو نظيف من وسخ الدنيا إذ تعود ألا يطل عليك إلا وهو مطهر ومغسول ب«الشايح»... تنهّد عبد الله وأجاب: كل ما ذكرته يا صاحبي لا يهمني ولا يهزني ولا يغريني فما أحبه أعظم بكثير مما ذكرت فأنا اليوم كأغلب الناس ما أريده وأهواه وأرتضيه هو الفوز ب«علوش العيد» حتى وإن كان «قطّوس في شكارة» المهم أنه «يبعبع» عوضا عني.