الحدث الكبير الذي عاشت على وقعه بلادنا في الأسبوع الماضي تمثل دون شك في تأدية الرئيس زين العابدين بن علي اليمين الدستورية مستهلا بذلك فترة رئاسية جديدة يراهن عليها رئيس الدولة ويتطلع الشعب التونسي إلى أن تكون خماسيةرفع التحديات. والخطاب الذي ألقاه الرئيس بن علي بالمناسبة في جلسة ممتازة لمجلسيْ النواب والمستشارين الملتئمين معا كان عبارة عن خريطة طريق للفترة القادمة... رسمت المسار ووضعت النقاط على الحروف في كل ما يتصل بالشأن الوطني سواء كان اقتصاديا أم اجتماعيا أم ثقافيا أم سياسيا... فما هي الملامح الكبرى لخريطة الطريق هذه؟ وما هي أبرز الدروس المستخلصة منها؟ وما هي أهم الوصفات ل «رفع التحديات»؟ لقد كان ملفتا في خطاب أداء اليمين لرئيس الدولة أنه احتوى جرعات سياسية كبيرة.. وردت في قالب جرد للحساب وفي قالب إعلان نوايا... وكذلك في قالب تأكيد لثوابت.. ففي باب جرد الحساب تولى رئيس الدولة التذكير بالمنجز في المجال السياسي... ذلك المجال الذي قاد حركة تغيير السابع من نوفمبر والذي وعد فيه صانع التغيير الشعب التونسي بحياة سياسية راقية هو جدير بها.. وهو ما عكف على تجسيده رئيس الدولة على مدى 22 سنة من التغيير... وأفضى إلى إرساء أسس حياة سياسية متطورة تستند إلى تجربة ديمقراطية تقوم على التعددية وعلى احترام حقوق الإنسان في شموليتها واكتمال عناوينها ومضامينها.. وقد كانت الانتخابات الأخيرة وما طعبعها من حياد للإدارة ومن علوية للقانون ومن تنافس نزيه بين مختلف المرشحين للانتخابات التشريعية إحدى تجلياتها الكبرى بما أعطى لعلوية القانون وسيادة المؤسسات مضامين وأبعاد ملموسة. وفي باب إعلان النوايا أكد رئيس الدولة أن التعددية اختيار سياسي ثابت لا رجعة فيه يتعهّده بالدعم والتطوير»... وهو تأكيد على المضي قدما على درب إضافة جرعات جديدة للتجربة السياسية الوطنية وصولا إلى مزيد إرساء وصقل تخوم الحياة السياسية المتطورة التي بشّر بها بيان السابع من نوفمبر.. ليكون إعلان النوايا بمثابة عنوان لإرادة سياسية سوف تطبع الخماسية القادمة وتعمل على توسيع هوامش العمل والمشاركة أمام الأحزاب وعلى مزيد تفعيل دور الإعلام الوطني في الحراك المجتمعي بكل أصوله وفروعه وتجلياته. أما في باب تأكيد الثوابت فإن رسالة الرئيس كانت واضحة وجلية وجاءت بعبارات دقيقة وصارمة في إشارة إلى أن هناك خطوطا حمراء محظور مجرد الاقتراب منها فما بالك بمحاولة دوسها.. وفي طليعتها استقلال البلاد وسيادة الوطن وقراره الحر والمستقل... فهذه ثوابت غير مسموح بالاقتراب منها تحت أي ظرف وبأية تعلّة.. فالوطنية كما قال رئيس الدولة «لا يمكن أن تخضع للابتزاز أو المزايدات أو الحسابات الشخصية لأنها صدق وإخلاص وعطاء وشرف وانتماء»... والابتزاز تكررت تجلياته في السنوات الأخيرة... وجمح بالبعض تحت عناوين «حرية التعبير» أو خوض معارك سياسية خاطئة في مفاهيمها وفي أدواتها حد الاستقواء بالأجنبي ومحاولة الزج بالأجنبي دولا أو سفارات في مجالات أو خلافات يفترض أنها وطنية ويجب أن تبقى وأن تخاض وتدار تحت سقف الوطن وبعيدا عن الاستقواء بالأجنبي... وهو ما أكد رئيس الدولة بحزم وتصميم أنه «مرفوض أخلاقيا وسياسيا وقانونيا».. على اعتبار أن خيمة الوطن قادرة على استيعابنا جميعا.. وتتّسع لكل خلافاتنا ما دامت من أجل تدعيم صورة الوطن ومكاسبه.. كما تتسع لكل اختلافاتنا ما دامت بناءة ووطنية في منطلقاتها وفي غاياتها.. فالاختلاف إثراء وإضافة متى تجاوزنا الحسابات الشخصية ودخلنا في منطق المصلحة العامة... وهذا باب واضح للمصالحة وتشريك كل القوى الحية في البلاد فتحه رئيس الدولة ودعا جميع المخلصين لتونس والمنتمين لها والغيورين على سيادتها واستقلالها أن يدخلوا منه خيمة الوطن إذا صدقت النوايا وصح العزم. ولئن كانت الجرعات السياسية قوية وواضحة وبينة في خطاب الرئيس بن علي لجهة حرصه من جهة على تشريك الجميع وتفعيل كل القوى الحية في خدمة البلاد في مرحلة عنوانها رفع التحديات... ولجهة حرصه على قطع الطريق أمام تيّار «نضال السفارات» و«الاستقواء بالأجنبي» الذي بدأ يتفاقم في السنوات الأخيرة وبدأت قوى الهيمنة الاستعمارية البائدة توظفه لاستهداف قرارنا المستقل وعناوين سيادتنا... لئن كان هذا بارزا بجلاء فإن الجوانب الأخرى كانت بارزة هي الأخرى.. ولم يغفلها الخطاب... وهي عبارة عن تصور ملموس لطرق وسبل تجسيم باقي النقاط الواردة في البرنامج الانتخابي لرئيس الدولة... والتي يراهن عليها القائد والشعب لترفع باقي التحديات التنموية.. وهي تمر عبر مفاصل تتعلق بتسريع وتائر التنمية وتشغيل حاملي الشهائد العليا وجعل تونس قطبا إقليميا في الأنشطة الرائدة ذات الكثافة التشغيلية لخريجي التعليم العالي... كذلك إقرار آليات جديدة لتحفيز نسق بعث المؤسسات الصغرى وامتيازات خصوصية لباعثي مشاريع المعلوماتية وتكنولوجيات الاتصال... وهذه وتلك عبارة عن منظومة متكاملة من الخطط والبرامج والآليات الموصلة متى تجند الجميع وعملوا بجد وتفان على تنفيذها، الى تحقيق الهدف الكبير ممثلا في رفع التحديات الذي كان عنوانا كبيرا للبرنامج الانتخابي لرئيس الدولة... والذي هو في فكر الرئيس سبيل لتمكين التونسي من أن «يعيش آمنا مطمئنا، كريما، عزيزا». فلنعمل جميعا على استيعاب هذه الرسائل وعلى هضم هذه المضامين النبيلة... حتى نسهم بوعي في إنجازها على أرض الواقع.. بما يحفظ للوطن سيادته وكرامته.. وبما يوفر للتونسي والتونسية كل مقومات العيش الكريم...