تونس «الشروق الأسبوعي»: إعداد عبد الرؤوف بالي: شهدت العاصمة الألمانية برلين يوم الاثنين الماضي، احتفالات كبيرة بالذكرى ال20 لانهيار جدار برلين، حيث توجه آلاف المواطنين من داخل المانيا وخارجها لمشاهدة تساقط الف قطعة دومينو عملاقة في وسط المدينة في الموقع السابق للجدار الذي قسم برلين بين عامي 1961 و1989. واحتضنت المدينة قادة العالم الذين إختاروها لقرابة الخمسين عاما مسرحا لصراعاتهم والذين من بينهم الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف الذي لعب دورا اساسيا في انهيار جدار برلين عام 1989 لتعود برلين عاصمة ألمانيا الموحدة. يوم 28 أكتوبر 1237 تأسست مدينة برلين وسنة 1307 توحدت مع كيلن لتتحولا من مجرد حارتين إلى مدينة كبيرة اتخذ منها فريد ريش الثاني سنة 1451 عاصمة لحكمه، وتزامن ذلك بتاريخ اسود حيث سادت المدينة حقبة من الأمراض والحروب المتداولة. ومع فريد ريش فيلها لم (1640 1688) أعيد بناء المدينة ببنايات مرتفعة ومن المعالم المتبقية إلى يومنا هذا شارع اونتر دان لندن. وفي سنة 1701 مع فريد ريش الثالث أصبحت برلين المقر الثابت للحكم وعاصمة لإمبراطوريته. وفي الفترة ما بين حكمي فريد ريش الأول أو ما يلقب «بالملك المحارب» وفريد ريش الثاني ما بين 1740 1786 عرفت برلين تطورا كبيرا في الميدان الصناعي. ونما عدد السكان مع فريد ريش الكبير وصار أكثر من 150 ألف ساكن، كما واصل التعمير والبناء بمساعدة المهندس كنوبلسدورف فورت. ومع نفس الملك صارت العلوم والفنون والثقافة إجبارية وبذلك أصبحت برلين مدينة الاستكشافات و النور. واحتلت جيوش نابليون المدينة من سنة 1806 إلى سنة 1808 وبعد صمود قوي من الجيش الألماني تراجعت قواته حتى بوابة براندنبورغ من خلال فريق حربي من العربات المجرورة بالخيول. وقد وقع بناء عربة فوق البوابة كرمز للصمود موجودة إلى يومنا الحالي . وفي العشرية الموالية وقع بناء المباني الكلاسيكية الملونة كم صممها شينكل ، كما تمت إحاطتها بالعديد من الحدائق العامة والمنتزهات للمهندس ليني. وفي منتصف القرن التاسع عشر عرفت برلين تطورا اقتصاديا كبيرا مصحوبا بتكاثف سكاني اكبر. ومع تأسيس الإمبراطورية الألمانية في عهد فيلها لم الأول (1861 1888) سنة 1871 كان عدد سكان برلين يقارب 800 ألف ساكن، وسمي هذا الأخير قيصر ألمانيا و اخذ من برلين عاصمة له وبعد حكمه صار عدد السكان ببرلين أكثر من مليون ساكن 1895. ومن سنة 1888 حتى سنة 1918 كان فيلها لم الثاني آخر قيصر للرايش الألماني الذي ابعد وتم نفيه مع اندلاع الحرب العالمية الأولى. ورغم خيبة الأمل والخسارة الكبيرة التي وقعت فيها البلاد و عاصمتها إلا أن موجة التطور والإبداع لم تتوقف. ولقد واصل الثوريون المتحررون إبداعهم الثقافي من مسرح وسينما في العشرينات من القرن 19 ، الشيء الذي جعل من المدينة تلقب بمدينة «العشرينات الذهبية» Golden Twenties... وفي سنة 1933 مع اعتلاء هتلر المستشار القومي الألماني الذي أسس شعارات معادية لليهود و الشيوعيين وغيرهم بدأت الحقبة السوداء للمدينة. ولدى اندلاع الحرب العالمية الثانية في الأول من سبتمبر 1939 كان عدد سكان المدينة 4,5 مليون وبعد القصف الجوي في الثامن من ماي 1945 لم يبق سوى ثلث السكان كما دمرت الكثير من المعالم التاريخية. ومع انتهاء فترة الدكتاتور النازي حطمت مدينة برلين ولم يبق منها إلا القليل ووقع تقسيم سكانها المتبقين بتقسيم المدينة إلى 4 أقسام وهي النصف الشرقي للاتحاد السوفياتي والنصف الثاني بين الولاياتالمتحدةالأمريكية (الجنوب الغربي)، بريطانيا (الغرب) و فرنسا (الشمال الغربي) وفي 25061948 قام الاتحاد السوفياتي بعزل مقاطعات الحلفاء ما اضطر الأمريكيين إلى انشاء ما عرف بالقنطرة الجوية لمد المتساكنين بالطعام والمواد الصحية الأساسية حتى انتهى هذا العزل في 12. 1949.06. وفي السابع من أكتوبر 1949 أسست الجمهورية الألمانية الديمقراطية وأخذت من الجزء الشرقي لبرلين مركزا للحكومة. ولم يكن يسمح لسكان الجانب الشرقي بمغادرته إلى الجزء الغربي إلا بترخيص. وفي الثالث عشر من أوت 1961 قام السوفيات بتقسيم برلين ببناء جدار وعزل الجانب الشرقي عن الغربي وحدث ذلك اثر تلقي قيادة الاتحاد السوفياتي لتهديدات امريكية بامكانية مهاجمتها بقنابل نووية وقد قال رئيس جهاز المخابرات الفرنسي حينها إن بناء الحائط أبعد العالم عن حرب نووية «لا تبقي ولا تذر». ولم يعد يحق لسكان برلينالشرقية مغادرة المدينة حتى سنة 1963 مع زيارة الرئيس الأمريكي جون كنيدي وتوقيع الاتفاق الخاص بوثيقة شهادة الاجتياز التي تسمح بالدخول إلى الجانب الغربي وكان ذلك في محطة القطارات Friedrichstraße من خلال قاعة انتظاره الكبيرة والتي تسمي ب«مكان الافتراق». صدور إعلان غامض يوم 9 نوفمبر برفع القيود المفروضة على السفر ولقد ساد برلين وكل ألمانيا في تلك الليلة جو كبير من الاحتفالات وصار بإمكان الشرقيين عبور المنطقة الغربية دون تصريح. وفتحت حكومة جمهورية ألمانيا الديمقراطية حدودها في المساء. ورغم اصرار بعض حراس الحدود علىعدم السماح للمواطنين بالعبور دون الحصول على إذن خاص، أدى عدد المواطنين الضخم الذين وصلوا إلى الجدار إلى إرباك هؤلاء الحراس، ولم تصدر أية أوامر لهم بوقف عبورهم. وتدفق عشرات الآلاف إلى برلينالغربية. وهو ما دفع حراس الحدود في اليوم الموالي إلى تفكيك الجدار لإنشاء المزيد من نقاط الانتقال. وساهم سكان برلينالشرقيةوالغربية بحماس في هدم الجدار. وفي الثالث من أكتوبر سنة 1990 استرجعت برلين مكانتها القديمة حيث عادت رسميا العاصمة الموحدة لألمانيا ومنذ 1999 مركزا للقرار السياسي حيث ارجع البرلمان إلى مبنى الحكومة الذي يعرف ب Reichstag والمشهور بقبته الزجاجية التي تعتبر قبلة للسياح من جميع أنحاء العالم. شخصية وتاريخ: ميخائيل غورباتشوف: صبي المزرعة... مهندس الانهيار الكبير تونس «الشروق الأسبوعي» إعداد عبد الرؤوف بالي: حلّت منذ أيام الذكرى العشرون لسقوط جدار برلين، الذي أنذر بانهيار الاتحاد السوفياتي الذي أقام هذا الجدار لفصل شرق المدينة الاشتراكي عن غربها الخاضع للسيطرة الأمريكية. وتزامن ذلك مع بداية تنفيذ الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتي لمشروع إعادة البناء أو ما يعرف باسم «البيرسترويكا»، فمن هو هذا الرجل؟ غورباتشوف، أو صبي المزرعة كما يسميه الكثيرون ولد في بيت فلاحي فقير في قرية بريفولي بين أكبر نهرين في روسيا «الفولغا والدونا»، وكان ذلك يوم 2 مارس 1931. ترك صبي المزرعة قريته عام 1950 ليلتحق بكلية الحقوق بجامعة موسكو الحكومية، والتحق بعد 5 سنوات بصفوف العاطلين عن العمل وهو ما دفعه إلى العمل السياسي وأصبح رئيسا لمنظمة الطلبة «الكوموسمول» في مدينته. ومنذ ذلك التاريخ أصبح غورباتشوف يعول كثيرا على علاقاته في تسلق السلم السياسي للحزب الشيوعي، ومنها مع فيودور كولاكوف وسوسولوف وألكسي كوسجين. ورغم طموحه السياسي لم يستطع الابتعاد عن المجال الزراعي، وتمكن سنة 1967 من الحصول على الإجازة من كلية الزراعة ب«ستافرويول». ولعبت الصدف دورا كبيرا في بروز نجم مزارعنا الصغير حيث كان من أسباب تألقه عند توليه لمهمة منظم الإنتاج الزراعي سنة 1964، العوامل المناخية التي جعلت إنتاج الاتحاد السوفياتي من الحبوب في ذلك العام يبلغ رقما قياسيا (140) مليون طن. وعمل غورباتشوف بين 1970 و1978 في منصب السكرتير الأول للجنة الحزب الشيوعي السوفياتي في إقليم ستافرويول وكان عضوا في مجلس السوفييت الأعلى في الاتحاد السوفياتي. ولم يمثل موت فيودور كولاكوف سنة 1978 انتكاسة لمساره إذ كان سنده الأكبر في موسكو، وعلى العكس من ذلك فقد سمحت له المناسبة بالظهور لأول مرة على شاشة التلفزة ينعى فيها كولاكوف. وكانت المرة الأولى التي يشاهد فيها المواطن السوفياتي شاب هادئ الطبع ضمن تشكيلة قيادة الدولة يظهر ينعى رفيقه لكن لم يخطر بخلد أحد أن ذلك الشاب سيصبح يوما سيد الكرملين. وأصبح غورباتشوف سنة 1980 عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي، وانتخب بعد5 سنوات سكرتيرا عاما للجنة المركزية للحزب وكان هذا المنصب يعادل منصب رئيس الدولة. وبدأ العمل الفعلي لغورباتشوف منذ سنة 1986 حيث قام بإجراء إصلاحات في اقتصاد البلاد والحياة العامة كما دعا إلى إحداث تغيير ديمقراطي في المجتمع وزيادة النشاط السياسي للشعب إضافة إلى إلغاء الرقابة على وسائل الإعلام، عرفت هذه التوجهات بمصطلح إعادة البناء أو «البيريسترويكا» وأصبحت معروفة في أنحاء العالم لأنها وفق المحللين كانت أولى المؤشرات على بدء انهيار الاتحاد السوفياتي حين قامت على أسس مغايرة لأسس الاتحاد قبل انتخاب غورباتشوف رئيسا للاتحاد السوفياتي في مارس 1990 من قبل مؤتمر نواب الشعب. وأدت سياسة إعادة البناء إلى توقيع رؤساء كل من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا في 27 ديسمبر 1991 اتفاقا حول تأسيس رابطة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي وهو ما دفع غورباتشوف إلى تقديم استقالته من رئاسة الاتحاد السوفياتي الذي لم يتبق منه يومها إلا ذلك المنصب. يشغل ميخائيل غورباتشوف منذ جانفي 1992 وحتى الآن منصب رئيس المؤسسة الاجتماعية الدولية للدراسة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) أو ما يسمى بصندوق غورباتشوف. كما واصل ترشيح نفسه لخوض الانتخابات لعضوية مجلس «الدوما» وحاول مرارا الفوز في الانتخابات الرئاسية لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل.