بقلم : واصف عريقات خبير ومحلل عسكري في مثل هذه الأيام وقبل عشرون عاما لم يبدو لكثير من الألمان دنو أجل أشهر الجدران العازلة في التاريخ والذي كان رمزا للحرب الباردة التي مزقت العالم طيلة 28 عاما بين معسكر شرقي شيوعي بزعامة الإتحاد السوفياتي ومعسكر غربي امبريالي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي "شيد ليكون بمثابة فاصل بين جنة الطبقة العاملةالتي كانت تعيش في الجهة الشرقية وبين جحيم الامبريالية في الجهة الغربية" بحسب وصف رئيس المانياالشرقية السابق"اريك هونيكر". لم يستوعب الكثيرون من الألمان ما يعنيه سور برلين عندما بدأ في بناؤه في 13 اغسطس / آب 1961 وامتد لمسافة 160 كم بارتفاع 2 ,3 أمتار وكان مزودا ب210 مركز مراقبة واسلاك شائكة ومجهز براجمات مشاعل مضيئة ومصابيح قوية لاضاءة المنطقة التي كان يطلق عليها"شريط الموت"، اضافة لانفاق الهرب وأشهرها "النفق57 "، وعلى الرغم من صدور العديد من المؤشرات الأخرى على اقتراب أجله الا ان كثيرين اعتبروه سيدوم، وفي 9 نوفمبر 1989 كانت المفاجأة عظيمة بالنسبة لوسائل الاعلام الدولية عندما أعلن عن فتحه وشرع بهدمه وتدميره، ولم يعد بوسع الألمان (بغض النظر عن تقييمهم لهذه المرحلة) إلا التأقلم مع الواقع الجديد الذي ما زال البعض يشعر بأن سورا خفيا يفصل بين ألمانين وتاريخين، أما الكاتبة الألمانية(الشرقية) كريستا فولف فقالت عنه "الاشتراكية ذات الوجه الانساني"، لكن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وخلال الاحتفال الرئيسي بيوم الوحدة أشادت بجهود مواطني ألمانياالشرقية (سابقا) في سقوط سور برلين، واعتبرت ذلك نموذجا يحتذى به، وقالت :" انها الوحدة لم تسقط من السماء، انها نتيجة شجاعة وتصميم، ونخوة. لكن الفارق كبير بين سوربرلين وجدار الفصل العنصري في فلسطين، فالأول جاء بحسب اتفاقية يالطه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث قسمت المانيا الى اربعة مناطق محتلة وكانت الدول المحتلة هي الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفياتي والمملكة المتحدة وفرنسا، وفي 1949 اقيمت المانياالغربية في المناطق المحتلة من قبل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، كما اقيمت المانياالشرقية بعد ذلك في المناطق المحتلة من قبل السوفييت، وجاء بناء سور برلين كوسيلة لمنع الهجرة وتحجيم المرور ولتأمين الحدود بين البلدين والتي اصبحت حدود بين حلف وارسو وحلف الناتو أي بين ايديولوجيتين سياسيتين مختلفتين، وبين قطبين اقتصاديين وثقافتين، وخلال الحرب الباردة مثلت برلين مسرحا للمعارك الاستخبارية بين المعسكرين، ومع انتهاء هذه الحرب بالاضافة للعوامل الأخرى انتفت الحاجة لبقاء السور. أما السور في فلسطين فهو جدار فصل عنصري وقرار تعسفي احتلالي شيد بهدف تكريس الاحتلال وقتل الحلم الفلسطيني باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس في اكبر مشروع استعماري عنصري بعد احتلال عام 1967 ، والذي عبر عنه بوضوح وزير الحرب الاسرائيلي يهود باراك في خطته "نحن هنا وهم هناك" وكلف نائب وزير الدفاع افرايم سنيه بالاعداد لها وتنفيذها، علما بان هذه الخطة تحمل تفسيرات متعددة عند قادة اسرائيل، وما يطبق على الأرض حاليا "نحن هنا ونحن واياكم هناك"، وما يسعون له "نحن هنا ونحن هناك". وجاءت البداية ببناء سياج غزة من جميع الجهات عام 1994 ،وفي العام 1995 تم بناء مقاطع جدار في شويكه – طولكرم، وحبله جنوب قلقيلية، وعقب اجتياح الجيش الاسرائيلي لاراضي الضفة الغربية في عملية السور الواقي وفي حزيران 2002 بدأ الجدار كمشروع سياسي صمم لضم المستوطنات وقضم اكبر مساحة من الاراضي الزراعية الخصبة بأقل كثافة سكانية يحتوي على اكبر حوض مائي في الضفة الغربية، طوله كما هو مخطط له 786 كم يعزل343000 فلسطيني بين الجدار والخط الأخضر، يدمر ويعزل اراضي 522000 فلسطيني، بينما يضم الى اسرائيل 1 ,43 من اراضي الضفة ويترك الباقي كجزر متناثرة مقطعة الأوصال، ويعزل القدس عن محيطها ويطمس هويتها التاريخية. فتفجر الغضب الجماهيري وتحركت طاقة الشعب الكامنة لمواجهته، ونجحت الحملات الشعبية ولجان مقاومة الجدار من خلال تنظيمها للفعاليات والأنشطة والمواجهات الميدانية باعاقة البناء في بعض المناطق ووقفه في مناطق أخرى، وعملت وتعمل على دعم صمود المواطنين المتضررين من بناء الجدار، وهي مستمرة في ايصال رسالة الجدار للعالم، لكن اسرائيل ممعنة في الحفاظ عليه والاستمرار في بناؤه وتحصينه، ولم تكترث لقرار المحكمة الدولية الذي صدر في 4 تموز 2004 ، والقاضي بعدم شرعية بناء هذا الجدار الكارثة، ويطالب اسرائيل بالتراجع عنه وهدمه. الآن يجب اغتنام هذه المناسبة لتذكير العالم بهذا القرار ومخاطر جدار الظلام في فلسطين، وتجديد الدعوة للدول الأعضاء في الأممالمتحدة والموقعة على اتفاقيات جنيف الرابعة الوفاء بالتزاماتها وواجباتها، بالضغط على الاحتلال الاسرائيلي للعدول عن هذا المشروع المدمر للحياة والقضية الفلسطينية، وبشكل خاص حكومة سويسرا الفيدرالية التي توجد في عهدتها اتفاقية جنيف الرابعة وحثها على الاضطلاع بواجباتها بحسب قانون المحكمة حيث ناشدها القرار في ذلك. وليكن التحرك تحت شعار " نحن واياكم ......الاصرار على هدم الجدار". لقد فرض الشعب الألماني ارادته الجبارة ونعم الألمان بالوحدة وحطم اسطورة التشطير في برلين، وسيأتي اليوم (والأمل ان لا يطول) الذي تهدم فيه السواعد بالمعاول والفؤوس جدار الفصل العنصري في فلسطين .