هكذا بعد ساعة ونصف من الكرة وبعد أن خسرنا بالضربة القاضية الفنية أصبح لدينا أكثر من 10 ملايين مدرب ومحلل.. الكل يتكلم تكتيكا سواء في المقاهي أو البطاحي أو المحلات والمتاجر والحافلات وحتى في المقابر عند حمل الجنائز كلهم يفهمون الكرة.. وكلهم علقوا على المقابلة بعد أن تركنا أبناؤنا معلقين.. والطريف أن بعضهم يعيد نفس الكلام الذي قيل في التلفزة أو داخل الصحف.. المهم أن يبدي رأيه في الخسارة والانسحاب ويشتم والدة كويلهو على مرأى ومسمع من الجميع لتكون أفضل بصمة على أنه يعي جيّدا ما يقول... هكذا نحن شعب لا يتكلم إلا في الوقت الضائع... في الوقت الذي نكون قد ابتلعنا السكين بدمها.. حتى تكونت لنا أكثر من غصّة لن يقدر عليها كل دكاترة مستشفى «صالح عزيّز» بالعاصمة... والسؤال المطروح في هذا الظرف الذي بكت فيه تونس من شمالها إلى جنوبها يقول: من نلوم؟ ومن نتّهم.. ومن نستثني.. ومن نحاسب.. ومع من نتحاسب... وهل نحن أصلا نملك القدرة والثقافة والعادة على كشف المستور.. أم أننا مع كل خيبة لانفكر إلاّ في طمس الحقائق وصنع «حرابش» جديدة لإسكات الجمهور المقهور؟ الحكاية أكبر من أخطاء كويلهو الذي بادلناه مع لومار لدى أشقائنا المغاربة.. والنتيجة كانت أن ضحك عليهم لومار وضحك علينا كويلهو.. والحكاية أكبر من جلوس أسامة الدراجي على دكة الاحتياط صحبة زهير الذوادي فلا الأول كريستيانو رونالدو.. ولا الثاني ليونال ميسي.. والحكاية أكبر من دعوة أمين الشرميطي مباشرة إلى قلب التشكيلة الأساسية.. الحكاية وما فيها أننا كنّا بكل بساطة أصغر من العبور إلى المونديال واننا كنّا بمثل تلك الاختيارات الفنية والبشرية على مشارف فضيحة تاريخية شاءت السماء أن نتفاداها في الوقت المناسب بالسقوط... أوَ لم يعلمونا دوما أن أفضل وضع لتجنب الخطر هو «الانطباح»... فأين الغرابة في أن ننبطح ونحن على مشارف جنوب إفريقيا حيث لا تمر غير ««الوحوش» الكروية من السباع إلى الفيلة إلى «النسور» الحقيقية.. فهناك لا مجال للعبث بتاريخ الكرة ولا بدروسها ولا بقيمها الثابتة.. وهناك لا خوف إلا ممّن يخيف ولا نظن «عصافر سطح» الذين أرسلناهم لهم مكان داخل غابة المونديال مهما كان عبث الطبيعة... يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان... وقد كنا أقرب خلق الله إلى الإهانة مساء السبت الفارط وكنّا أقزاما أمام منافس عملاق لا ندري كيف رضي بمرتبته في طابور المجموعة خاصة أنه سبّب للنجيريين الإسهال وحرم منتخبنا من المونديال. اليوم لن نقول «فسّخ وعاود»... ولا نطلب من أحد أن يخرج علينا بقرارات غير مدروسة... فقط نريد وقفة تأملية رصينة فيها مسحة هامة من الصراحة لعلنا نغيّر الثوب الذي نحن فيه.. وحتى لا نرتكب حماقات أخرى أفظع من توديع المونديال... على جناح الأمل لو خيّروني شخصيا بين العبور إلى المونديال وكسب كأس إفريقيا للأمم لانحزت للخيار الثاني لأنني على يقين بأنه حتى لو عبرنا إلى المونديال سنعود كالعادة منذ الدور الأول... وبالتالي لا أفضل في هذا الوقت بالذات من رصّ الصفوف والاتعاظ من درس الموزمبيق للحديث عن ال«كان» ب«الفم المليان» بعيدا عن الهذيان والهزان والنفضان... فمن «نذبحهم» مع مطلع كل يوم وإن كانوا يستحقون ذلك هم في نهاية الأمر أبناؤنا.. وتجرعوا المرارة مثلما تجرعنا... وسالت دموعهم مثلما بكينا.. فدعوهم يبكون في صمت لعلهم بدموعهم يغسلون ذنوبهم تجاه وطن بحاله..