حوار وإعداد : فاطمة بن عبد ا& الكراي في الحلقة قبل الماضية، رأينا كيف رفض بن صالح طلب بورقيبة تسميته على رأس وزارة التخطيط (كانت تُسمّى وزارة التصميم آنذاك). دام الجدل بين الرئيس والوزير «ساعة كاملة، وفي آخرها طلبت من بورقيبة أن يمنحني شهرا لأحضّر مذكّرة وإعدادها لك، هكذا قلت لبورقيبة بعد ساعة من النقاش.. وأضفت: سوف أضع في هذه المذكرة، ما هي التوجّهات التي أؤمن بها، والتي لا مناص من أن أسير عليها، وإذا قبلت بالاقتراحات التي سأقدّمها فأنا معاك».. وأردفت بالقول عبر مثل شعبي يقول: «أوّلها وفقة.. وعقابها سلام».. وكان المثل الذي قلته وختمت به كلامي لبورقيبة بمثابة الملحة أو الفسحة..» وهنا ردّد «سي أحمد» كيف أنه قال لبورقيبة في نفس تلك المقابلة: «سأعدّ التوجّهات التي أؤمن بها ولا يمكن أن أزيغ عنها.. ولم يتردّد بورقيبة في الأمر وأتذكر أنه قال الموافقة بالفرنسية وأعادها مرّتين بقوة: «d'accord... d'accord». ويواصل صاحب المذكّرات: «رجعت الى الوزارة، وزارة الصحة طبعا، وكان لا بدّ وأن «أفرّغ» دماغي من مشاكل الصحة اليومية.. أعددت مذكّرة Memorendum بالفرنسية، وكان معي بالوزارة «سي البشير الجعايبي» وهو موظف سام، وكان قبل الصحة يشغل منصب أستاذ اللغة والآداب الفرنسية بمعهد الصادقية.. وكان معروفا عنه، مستواه الراقي وكان يعتبر مثاليا في عمله، ولا غرابة، فعائلة الجعايبي معروفة، فهم من أصدر أولى الجرائد.. طبعا حضّرت النص الذي سأعطيه الى الرئيس بورقيبة، في شكل مذكّرة، في حدود التاريخ الذي طلبته منه، وقصدت «سي الجعايبي» وقلت له أريد أن تطّلع على النص، من حيث لغته وتراكيبه.. أخذ النص بعد تردّد، أبقاه عنده، ثم أعاده إليّ كما هو.. بلا تنقيح.. ولا «رتوش» وقال لي: «ما عندي ما نقول وأعطاني رأيه في المذكرة بالقول إنه نصّ لامع Lumineux ». وقبل موعد انتهاء الشهر، سلّمت المذكرة الى بورقيبة، وبعد أيام معدودات، دعيت الى اجتماع في الديوان السياسي برئاسة بورقيبة، وتمّ توزيع نسخ من المذكرة على الأعضاء.. بدأ بورقيبة الجلسة، بالقول: هذا هو الموضوع.. وقد قدّمه، أي محتواه، وقال في عملية ربط بين طرح الموضوع والموقف: وأنا موافق.. أي موافق على ما ورد في المذكرة، من مقترحات.. ثم أحال الكلمة الى الكاتب العام للحزب الذي قال: سيّد الرئيس لماذا كل هذه «الهرجة» فنحن عندنا الشعب نعود إليه.. .. ولكن بورقيبة بدا وكأنه لا يعير اهتماما لما كان يقوله المسؤول الثاني في الحزب، ووقع ما يشبه الانهيار في ردّ الفعل.. وكأن مستوى الموضوع الذي طرحه المتحدث الثاني بعد بورقيبة لا يتجانس مع مستوى المذكرة.. بحيث جاء ردّ الفعل غير متجانس مع الفعل (أي المذكرة)». قلت لصاحب المذكرات: هل يعني أن كلام الباهي الأدغم فُهم وكأنه خارج عن الموضوع؟ فقال دون أن يعطي الانطباع أنه يردّ على السؤال: «.. لأن المخطط يشجّع المبادرات.. لقد كان مخطّطا لنهضة المجتمع».. ولكن ما هو محتوى المذكّرة، وأي نوع من التخطيط يقترح أحمد بن صالح؟ هذا ما سنراه لاحقا، إن شاء اللّه، في الحلقة الموالية.