لقد ظلّت السياسة الأمريكية طوال سنوات عديدة تبتعد يوما بعد يوم عن المعايير الأخلاقية والانسانية فلقد بلغ هذا التدني مستوى من التردي قلّ نظيره حتى في عصور الانحطاط وبمناسبة اعتلائك سدّة الحكم في الولاياتالمتحدة بعثت الأمل في النفوس لما تضمنته خطبكم الرنانة وتصريحاتكم البليغة من دعوة الى الحوار والانفتاح والتسامح مع كافة الشعوب. سيّدي الرئيس إنّ ما حدث للشعب الفلسطيني لا مثيل له عبر العصور فلأول مرة في تاريخ الانسانية يطرد شعب من أرضه ويشرّد ويحلّ آخر مكانه. لقد شاءت الأقدار أن يترك هذا الشعب الصامد الصابر والمنكوب يواجه عدوا شرسا يملك أعتى الأسلحة وأشدّها فتكا ودمارا يذيقه من العذاب ما يفوق الوصف ويعجز عنه الخيال. أما آن للضمير العالمي أن يصحو؟ وهل من نهاية لهذه المأساة. سيدي الرئيس لم يمض زمن طويل على اعتلائك كرسي الرئاسة حتى ناديتم بوجوب حل القضية الفلسطينية وعملتم جاهدين على دفع عملية السلام وطالبتم اسرائيل بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية وإزاء تمسّك اسرائيل بعدم قبول التجميد تراجعتم يا سيادة الرئيس عن موقفكم وناديتم بالتفاوض دون شروط مسبقة وأصيب العالم العربي والاسلامي بالذهول والاحباط ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد أعلنت إدارتكم عدم رضاها عن تقرير «غولدستون» فأصبح الخوف كل الخوف من دفع منطقة الشرق الأوسط الى ما لا يحمد عقباه والحل أنكم من الحائزين على جائزة نوبل للسلام حديثا. سيدي الرئيس لا نريد منكم وأنتم رئيس أكبر دولة في العالم وكرسيك الذي تجلس عليه يطاول النجوم أن تصبح مجرّد صدى يردّد ما يحدث في اسرائيل ويستجيب بصورة تلقائية لرغبات اللوبي الصهيوني الذي لا تهمه إلا مصالحه ولتعلم أن مصالحنا متبادلة. لقد ظللنا زمنا طويلا نتسابق في خطْب ودّ أمريكا ونستشيرها في كل كبيرة وصغيرة ولا نصوغ قراراتنا إلا عندما تكون على بيّنة من أمرها. لقد لبّينا لها كل ما طلبت منا، لقد مكّنّاها من أرضنا وبحارنا وأجوائنا ومطاراتنا وثرواتنا وقلنا لها نحن طوع إرادتك.. لكن.. ثم لكن.. ثم لكن.. لقد كانت النتيجة عكسية حملات دعائية بأننا متخلّفون إرهابيون أما غيرنا فشعب اللّه المختار، واحة الديمقراطية ومركز إشعاع حضاري. مقدّساتنا تستباح وديارنا تهدّم وأشجارنا تقلع ومع ذلك كانت كل الادارات المتقدمة تدافع عن الجلاد وتناصر الجاني وتقف بجانب السفّاح وتلتمس له الأعذار والمبرّرات وتهدّد الضحية بالعقاب وإذا طلبنا الحماية من مجلس الأمن ف«الفيتو» جاهز لمنع قرار صادر بالادانة.. أليس من حقّ كل مواطن عربي في مشارق الأرض ومغاربها بعد أن رأى ما قدمه لأمريكا وما حصده منها أن يتساءل أهكذا يكون الجزاء. سيّدي الرئيس هل القضاء على الارهاب سهل وميسور وفي المتناول؟ نحن نرى أن الجواب بنعم، لو تخلّى بلدكم عن نزعة الهيمنة والتسلّط ويراعي مصالح الشعوب ويولي عناية فائقة بالقضايا العالمية ويتعاون مع حلفائه للنهوض بالاقتصاد العالمي ويمدّ يد العون والمساعدة للشعوب الضعيفة وهكذا عندما تتظافر جهود الجميع يصبح بالامكان تأسيس عالم آمن يطيب فيه العيش. ولا يسعنا في النهاية إلا أن ندعوكم باسم كافة الأديان والقيم الانسانية والمبادئ الاخلاقية أن تصغوا الى صوت العقل ونداء الضمير وعدم الانصات الى الأصوات الشريرة حتى يسود السلام والأمن والرخاء كافة شعوب المعمورة.