قال أحدهم: العرب يبكون على حرب العراق ويعتقدون انها من أجل الاستحواذ على نفط العراق... وهذا هراء... لان هناك ما هو أهم من هذا النفط... هناك ما هو أثمن وأغلى... هناك متاحف العراق... تاريخ الانسانية... هذا الكلام ليهودي اسرائيلي ثري ومولع بالتحف الاثرية وقد قاله وهو يعرض لتلفزة انقليزية مجموعة ضخمة من التحف التي نهبت من متاحف العراق... هو يعترف أنها مسروقة ودافع عن نفسه قائلا: «انا احمي ذاكرة الانسانية... العرب لا يعترفون الا بالنفط... أما هذه فانهم لا يعطونها حق قدرها... هي ليست ملكا لهم... بل للانسانية وخاصة لليهود... جدّنا ابراهيم كان هناك في العراق...» طبعا لم يتحدث الرجل عن نبوخذ ابي نصر الذي هدم الهيكل... ولكن الاساس هو هذا... وصدام قصف اسرائيل بالصواريخ... انه الانتقام المزدوج... من الحاضر ومن التاريخ... كل الجداريات التي لها علاقة باليهود تم الترتيب لها قبل الحرب وقد فسحت القوات الامريكية المجال لهؤلاء لينهبوا ما شاؤوا دون ان تحرك ساكنا... المشكلة هي ان العراق لا يملك اول احتياطي نفط في العالم فحسب بل يمتلك اول احتياطي ثقافي وحضاري باعتراف علماء الآثار في العالم كله... كل حجر... كل حبة تراب هناك تحكي تاريخ الانسانية... والتاريخ بدأ هناك... غير انه منذ فرض الحصار على العراق وفقدت السلطة المركزية السيطرة على الشمال والجنوب بدأ النهب المنظم بدعم من عرب الجوار الذين كانوا يحفرون ويدلّون ويسلمون كنوز التاريخ الى أجانب جاؤوا مسلحين بالخرائط والسلاح... وعندما دخل الماغول بغداد نسفت أبواب المتاحف وتم اقتناء قطع بعينها وفق تخطيط محكم... القوات الامريكية المتواطئة لم تحرك ساكنا... ولما قامت الدنيا في الغرب لا عند العرب ذرت قوات الاحتلال الرماد في العيون بعرض بعض المسروقات التي ادعت انها استعادتها والحال ان ما عرض لم يسرق أساسا وانما هي «أشياء» بقيت في مكانها لان المجرمين لم يعيروها قيمة كبيرة... والى الآن مازال النزيف... كل يوم تعبر المسروقات بلا موانع عبر مطارات عربية حيث ازدهرت الوساطات المحلية... ومازال بعضهم يركز على أنبوب نفط فجرته المقاومة ولا يلقي بالا للوبال الآخر... ولقد صدق اليهودي الاسرائيلي في بعض كلامه عندما قال ان العرب لا يفهمون... في عهد النظام السابق كانت عقوبة تهريب الآثار قد تصل الى حد الاعدام... لانها ملك للشعب... اما اليوم فلا أحد يسأل... بعض عرب الجوار أعماهم جشع الضباع... والسلطة المؤقتة متعددة الجنسيات ولا يهمها العراق او تاريخه... عساكر وادلاء وحتى بريمر هربوا ما شاؤوا... تاريخ الانسانية يهرب قطعة قطعة... ليبقى العراق بلا ذاكرة... بلا هوية... بلا لون... ليبقى العراق بلا عراق...