يبقى التشغيل والنهوض به أولوية الأولويات في تونس فهو حق لكل فرد يضمن له الكرامة والعيش في رفاه، وهو أيضا واجب محمول على الجميع لكسب هذا الرهان ودعم الاستقرار وتطوير النماء. وإذا كان التونسيون يجمعون على ضرورة الرفع من نسق التشغيل وإحداث مواطن الشغل وتوفير موارد الرزق فإن تصوراتهم ومساهماتهم تختلف وتتفاوت، كاختلاف المستهدفين من هذه البرامج. وفي الحقيقة فإن الدولة كانت أكثر إسهاما في حل معضلة التشغيل سواء من خلال ما وفرته من برامج وآليات وتمويلات لتشجيع أصحاب المؤسسات وتحفيزهم على الانتداب أو من خلال التشجيعات التي وفرتها للراغبين في بعث المشاريع والانتصاب للحساب الخاص والعمل المستقل. كما أن مؤسسات القطاع العام ومختلف أسلاك الوظيفة العمومية بادرت خلال الأسابيع الماضية بالاعلان عن انتدابات هامة استهدفت أساسا أصحاب الشهائد العليا الذين يمثلون حاليا قرابة ثلثي طالبي الشغل. ويحفل البرنامج الرئاسي للخماسية القادمة بعديد الاجراءات والمقترحات القادرة على اعطاء دفع كبير لقطاع التشغيل وامتصاص جزء من مخزون البطالة الذي تراجع رغم انعكاسات عديد العوامل غير الملائمة التي هبّت على بلادنا خلال السنوات الماضية. وفي مقابل كل هذه الجهود فإن القطاع الخاص ومنذ أكثر من عشرية لم يتمكن من تحقيق الأهداف المنتظرة منه في مجال التشغيل والواردة في المخططات التنموية المتعاقبة رغم تراكم التشجيعات المالية والجبائية ورغم تضحيات المجموعة الوطنية. وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا إن القطاع الخاص وأصحاب المؤسسات استفادوا أكثر من طالبي الشغل من «كرم» الدولة وحوافزها إذ تفنن الكثيرون في الفوز بالتشجيعات عبر توظيف الآليات توظيفا خاطئا كاد يفرّغها من أهدافها. إن المطلوب اليوم من الجميع، وأساسا من أصحاب القطاع الخاص، المثابرة وتوسيع المساهمة في رفع تحدّي التشغيل، والتحلّي بنفس الحماس الذي يبرز إبّان الحملات التشغيلية، لأن في ذلك ضمانا للرفع من القدرة الشرائية للمواطن وزيادة متوسط الدخل الفردي مع ما يعقب ذلك حتما من زيادة في استهلاك المنتوجات الوطنية.