«هي مدوّرة مثل الكأس لا يرى مثلها ودار السلطان وسطها على عمل مدينة السلام والماء يجري وسطها، شديدة العمارة حسنة الأسواق بها جامع السلطان وعرض سورها 12 ذراعا منفصلة عن العمارة بينها وبين المصر عرض الطريق وتجارها يغدون ويروحون اليها من المصر على حمير مصرية والأبواب باب الفتوح باب الزويلة، باب القصارين كلها محددة الحيطان آجر مكحل الجيل»، هذا ما جاء به المقدسي من وصف لمدينة صبرة المنصورية العاصمة الفاطمية الثانية بعد المهدية. كان المنصور أبا الطاهر اسماعيل هو من أمر ببناء المنصورية التي لا تبعد الا بحوالي نصف ميل جنوب شرق مدينة القيروان في موقع يعرف بصلب الجمل بعد قضائه على ثورة صاحب الحمار أبو يزيد بن كيداد اليفرني. «وإنه اختط أحسن بلد في أسرع أمد، وانتقل اليها حسب رواية القضاعي عند صلاة الظهر من يوم الخميس لليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة 336ه وقد عمّر المنصور أسواقها واستوطنها، وأصبحت مركز الخلافة الرسمي، منها تصدر الأوامر، وتخرج الجيوش الفاتحة، واليها تأتي الوفود لتقديم فروض الطاعة والولاء. وقد بنى سورها بالطوابي، وجعل لها أربعة أبواب، بابا قبليا وبابا شرقيا سماه باب زويلة وباب جوفي وبابا غربيا سماه باب الفتوح، ونصب عليها أبوابا ملبسة بالحديد، ثم بنى فيها القصور الشامخات، والأبنية الرفيعة، وغرس فيها الغرس البديعة، وجلبت اليها المياه المنيعة، ومن قصورها مجلس الكافور وحجرة التاج ومجلس الريحان وحجرة الفضة وقصر الخلافة. وعندما توفي المنصور سنة 341ه / 952م، دفن في قصره بالمنصورية، ثم قام بالأمر بعده ابنه وولي عهده المعز لدين الله فسار على نسق أبيه وأصبحت المنصورية في عهده كعبة العلماء، والطلاب، والمستجيبين، والدعاة بعد أن نقل إليها أسواق القيروان كلها، وجميع الصناعات، ويذكر أنه كان فيها أيام عمارتها ثلاثمائة حمام أكثرها للديار وباقيها مبرز للناس كافة. كان المعز لدين الله كلفا بالعمارة فبنى كثيرا من القصور، وأنشأ البساتين وأجرى مياه العيون في حاضرة ملكه. ومن القصور التي بناها قصر الإيوان والمعزية. وبنى قناطر ساق الماء عليها، وقصره المعروف بالبحر، وقد ارتاد موضعه وقاس أبعاده ووضع تصميمه بنفسه وأنشأ في وسطه بركة كبيرة أسماها بحرا لاتساع سطحها. وقد أقام المعز الجسور لتصل القصر الداخلي بالقصر الخارجي، وأنشأ البساتين الغناء في المنصورية وضواحيها، ومن هذه البساتين ذلك البستان الذي أقامه في جهة تعرف «بواد القصارين» على مقربة من المنصورية، وأجرى فيه النهر حتى أينع بأصناف الشجر والرياحين والخضر والنوار وصار أحسن بستان رآه الناس. تسمية الموقع تناولت عديد المصادر والمراجع الحديث عن سبب تسمية الموقع. البعض يطلق عليه اسم المنصورية والآخر صبرة وثالث يجمع بين هذه وتلك. القاضي النعمان الذي ولاّه المنصور بن القائم قضاء مدن المنصورية والمهدية والقيروان فلا يذكر في كتابه «المجالس والمسايرات» إلا المنصورية ولم يتعرّض مرة واحدة لذكر صبرة وكذلك الشأن بالنسبة الى المقريزي في «اتعاظ الحنفاء» والقضاعي في «الحلة السيراء» بينما المقدسي في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» لا يتحدث بدوره الا عن صبرة ولا يذكر المنصورية فيقول مثلا: «وصبرة بناها الفاطمي أول ما ملك الإقليم واشتق اسمها من صبر عسكره في الحرب»، ويقول أيضا: «وأما افريقية فقصبتها القيروان ومن مدنها صبرة»، ويذهب مذهبه الإدريسي. ولقد لعبت صبرة المنصورية دورا كبيرا وساهمت في تطور الفنون العربية الإسلامية رغم الفترة القصيرة من حياتها مما جعلها تؤلف لنا صورة عن نشأة الفن الفاطمي الإفريقي قبل رحيله الى الشرق وتجعل منه نموذجا آخر للخلق والإبداع وتشهد بالمقدرة والكفاءة للفنان والصانع الإفريقي كلما سنحت الفرصة بذلك وتهيأت الأسباب المادية والمعنوية. إعداد: ناجح الزغدودي المصدر: دائرة المعارف التونسية الكرّاس 3 / 1992