«ما لاحظناه هو دخول اضطراب في التغيّر الطبيعي للمناخ في تونس... إذ أصبح هناك اضطراب في نظام الامطار مثل طول فترات الجفاف ونزول الامطار بأكثر غزارة في وقت قصير... كما بدأنا نلاحظ تواجد كائنات بحرية في شواطئنا المتوسطية يعود مكان عيشها الى البحر الاحمر الاكثر ارتفاعا في درجات الحرارة. وتتوفر في تونس اليوم ظروف مناخية ملائمة لوصول حشرات قد تتسبب في إشكالات صحية «... كانت هذه خلاصة ما صرح به الدكتور زهير الحلاوي أستاذ علم المناخ بجامعة تونس وعضو الجمعية التونسية للتغيّرات المناخية والتنمية المستديمة ل «الشروق» ردّا على سؤالنا عن المناخ... كيف هو؟ وما الذي يشهده من تغيرات؟ وما هو المنتظر في تقلباته؟ حاورته: أسماء سحبون بادرناه بالسؤال هل ما نعيشه هذا الاسبوع من تقلبات في المعطيات الجوية نتيجة من نتائج تغيرات المناخ؟ وهل يمكن اعتبار درجات الحرارة خصوصية مناخية من خصوصيات شهر ديسمبر؟ قبل 10 أيام فقط كان هناك انخفاض في درجات الحرارة... مما يعني أن هناك تغيّرا في الظواهر الجوية في فترة قصيرة... وتلك أبرز خصوصيات المناخ المتوسطي. فالغالب هو نزول الامطار وانخفاض الحرارة في هذا الفصل لكن ذلك لا يخفي بعض فترات ارتفاع درجات الحرارة. ويفسّر الاخصائي هذا التغيّر المناخي المتوسطي بارتباطه بالحركة الهوائية العامة الخاصة بالعروض الوسطى وشبه المدارية. هذه الدورة الهوائية تفرز حسب قوله تقلبات متحركة تنجم عنها فترات استقرار في المعطيات الجوية. أفهم من كلامكم أنكم لا تعتبرون تقلبات هذا الاسبوع «استثناء» مناخيا؟ التقلبات المتحركة التي تحدثت عنها تمثل التغيّر الطبيعي للمناخ أي في الوضع العادي... لكن ما لاحظناه كمختصين وكجمعية مختصة في التغيّرات المناخية (انطلق نشاطها عام 2002) هو ظهور اضطراب مناخي... إذ تتواتر حالات ارتفاع في درجات الحرارة لمدة معينة خاصة في فصل الصيف فيكون معدل الحرارة لأيام متتالية في حدود 40 درجة. كما لاحظنا فترات الامطار الشديدة (مثلا ما حصل في الرديف نهاية شهر سبتمبر) فتكون الامطار قوية وتنزل في فترة قصيرة... كما قد تتواتر فترات جفاف متواصلة مثلما حصل في النصف الثاني من التسعينات. وذكر لنا الدكتور الحلاوي أن الجمعية تعمل على إثبات العلاقة السببية بين هذه الظواهر إن كان تغيّرا طبيعيا أو هو نتيجة لارتفاع درجة حرارة الارض. ما هي أبرز التوقعات المنتظرة للتغيّر المناخي في تونس؟ هناك تغيرات مناخية بدأت تظهر في العالم مثل تكاثف العواصف وارتفاع مستوى البحر... هي ظاهرة عالمية جعلت التحرك سياسيا هذه المرة فنظّم مجلس الوزراء في جزر المالديف المهددة بارتفاع مستوى البحر جلسة تحت الماء في رسالة موجهة إلى العالم بأن الجزر مهددة بالغرق وبالتالي البحث مبكرا عن أرض بديلة للبلاد قد تكون في نيوزيلاندا. كما تم تنظيم جلسة للمجلس الوزاري فوق هضبة التبات وارتدى أعضاء المجلس قناعا للتنفس الاصطناعي في رسالة إلى العالم بأنهم يعانون بسبب فقدان الأوكسيجين بالإضافة إلى تحرك بعض الساسة من أجل المناخ مثل الرئيس الأمريكي أوباما بعد أن ظلّ الملف المناخي مغلقا أثناء رئاسة بوش. هناك نداءات عديدة حول التغير المناخي وفي تونس تم إعداد بعض الدراسات الاستراتيجية في مختلف القطاعات حول هذه التغيرات. ما هي أبرز توقعات تلك الدراسات حول التغيّر المناخي؟ آخر تلك الدراسات دراسة أعدتها وزارة الفلاحة بالتعاون مع وكالة التعاون الفني الألماني عام 2007 حول الاستراتيجية الوطنية لتأقلم الفلاحة والمنظومات البيئية مع التغيرات المناخية.. توقعت ارتفاع في درجات الحرارة ب1.1 درجة إلى غاية عام 2030... هذا الارتفاع سيكون في حدود 2.1 درجة عام 2050. وللتوضيح أود القول إنّ التغير المناخي له سببان الأول مرده الطبيعة إذ هناك تغير في الفصول يختلف حسب التغيّر المجالي فمناخ قابس مثلا يختلف عن مناخ العاصمة.. وتلك هي الطبيعة أما الثاني فيتمثل في التغيّر بسبب النشاط البشري... وما لاحظناه هو دخول اضطراب ناجم عن النشاط البشري في التغيّر الطبيعي للمناخ. كما أريد التوضيح بأنّ التغيّر المناخي لا حدود جغرافية له. إلى ما تفضي هذه الدراسات؟ الدراسات الاستراتيجية تتضمن في الغالب توصيات ملزمة تدخل حيّز التطبيق فبالنسبة لمشاريع التهيئة الترابية هناك نص قانوني أصبح ينظم البناءات القريبة من البحر كما تم اعتماد معطى التغيرات المناخية عند وضع المنشآت الكبرى. تفصيل جديد دخل تفاصيل تنفيذ المشاريع... يراعي الجدوى البيئية للمشروع تماما كما يراعي دراسة وضع السوق أو الجدوى الاقتصادية له... توصيات دخلت حيّز التطبيق في تونس على حد قول ضيفنا مثلت ربما خطوة أولى وقائية ضد التغيرات المناخية. فيما يتعلّق بمشاركتكم في قمّة كوبنهاغن ذكرتم في تصريح صحفي أنكم كطرف في المجتمع المدني غير راضين عن ما جاء في القرارات النهائية للقمة لماذا؟ هناك خيبة أمل وعدم رضا عما جاء في قرارات كوبنهاغن.. إن لم تكن تلك القرارات ملزمة كما كانت النتيجة هزيلة. ويمكن القول إن أبرز قرار للقمة تمحور حول تعهّد الدول الأكثر تلويثا للمناخ مثل الصين والهند والبرازيل والولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها بتخفيض مرقّم للانبعاثات الغازية دون إلزام يذكر. كما أن ميزانية التعويض التي تم رصدها للدول المتضررة غير كافية ودون الانتظارات. ثمّ إنّ بروتوكول كيوتو الذي ترفض الولاياتالمتحدةالأمريكية، المصادقة عليه سينتهي خلال العامين المقبلين فما الذي سيعوضه؟ القمة لم تتعرّض لهذا وخاصة لم تتعرض بالالتزامية. ويحمّل الدكتور زهير الحلاوي أستاذ علم المناخ بجامعة تونس مسؤولية خيبة كوبنهاغن إلى القادة السياسيين للدول الكبرى.