كان يبتسم فرحا... بل يضحك ملء شدقيه... «كيف لا أفرح... لقد كُتب لي عمر جديد» هكذا صرّح السيد فتحي العمروني الذي أصابه القطار ظهر أوّل أمس بجهة القلعة الكبرى من ولاية سوسة... اصابة كلّفته بتر مقدّمة رجله وحرمانه من أصابعه الخمس... الخبر كنّا نشرناه في عدد الأمس ونعود اليه اليوم بأكثر التفاصيل التي استقيناها من المتضرر بعد أن تحوّلت «الشروق» الى مستشفى سهلول لزيارته. المتضرر يدعى فتحي العمروني، 46 سنة متزوج وله بنتان الاولى لم تتجاوز الشهر 11 من عمرها والثانية حديثة العهد بالولادة... (عمرها أسبوع فقط) فتحي العمروني يعمل في مجال السياحة، وهو عامل موسمي، ويتفرّغ لشياهه بقية الموسم، يرعاها ويتنقل بها الى المرعى، وهذه الشياه كادت ان تتسبّب في هلاكه ظهر أول أمس. يقول السيد فتحي العمروني: «كانت الساعة تشير آنذاك الى منتصف النهار لما هممت بتجاوز السكة الموجودة خلف مستشفى القلعة الكبرى، إنها سكة محمية بحواجز آلية لطريق غير معبّدة، لكن هذه الحواجز معطّلة منذ أكثر من أسبوع... أمرّ يوميا منها رفقة أغنامي وأعلم جيّدا أنها معطّلة... وساعة الحادث قمت بدفع أغنامي نحو الجهة الاخرى من السكة، تدافعت اغنامي... مرّ أغلبها وفجأة ظهر القطار... كان مشهدا مرعبا بالنسبة لي... حثثت بقية الأغنام حتى تمرّ... وفعلا مرّت بسلام... كنت محاذيا للسكة وعندما مرّ القطار جذبني هواؤه الشديد... سقطت ومن ألطاف الله لم يتمكن من دهسي لكنه أخذ مني أصابع رجلي اليمنى... شعرت آنذاك بألم شديد». توقف السيد فتحي العمروني عن الكلام كأنه يستحضر الحادثة في مخيلته... صمت لبرهة ثم ابتسم وواصل حديثه: «السائق لم ينتبه لسقوطي واصابتي... لقد واصل طريقه... ومن ألطاف الله أيضا أنه صادف ذلك مرور شابين آنذاك... انتبهوا للحادث فأسرعوا لنجدتي... لقد طلبت منهم الاتصال بأخي عبر هاتفي الجوال وهو ما تم، وقد حضر أخي على جناح السرعة وحملني الى قسم الاستعجالي بمستشفى القلعة الكبرى ومنه تم نقلي الى هنا... الى مستشفى سهلول، وكما تشاهدون... لقد تجاوزت مرحلة الخطر وتمت السيطرة على النزيف الذي حصل لي...». سألنا السيد فتحي عن سر تمسّكه بعبور أغنامه بسكة القطار انذاك والمخاطرة بحياته من أجلهم... ابتسم كالعادة قائلا: «الأمر كان خارج نطاق تفكيري آنذاك... لقد فاجأني القطار الذي كان قادما بسرعة وكان البعض من أغنامي لا يزال فوق السكة بصدد المرور... حثثتها ومرّت جميعها بسلام»... ثم نظر الى قدمه... رفع عينيه إلينا ثم ضحك وقال: «أوّل ما سأقوم به عند مغادرتي المستشفى هو ذبح خروف والتصدّق به... لقد كتب لي عمر جديد... هل صادف بأن سمعت بشخص صدمه قطار... وعاش؟ لا أظن... زوجتي لم تصدّق بدورها... لقد زارتني منذ قليل رغم أنها نفساء وممنوع عليها مغادرة الفراش حتىلا تتعكر حالتها الصحيّة... لقد أصرّت على زيارتي حتى تصدق بأنني حيّ أرزق».