عاد «العزف» على أوتار السلام بقوة هذه الايام حيث تستعد واشنطن ل «تنشيط» زيارات مبعوثها جورج ميتشل الى المنطقة فيما «تنخرط» بعض الدول العربية في تحرّكات «إعلانية» تتصل بإحياء المفاوضات ودفع عملية السلام المجمّدة منذ أشهر طويلة... فهل تفلح هذه الجهود هذه المرة في كسر هذا الجمود؟ أم أن هذه «الوعود» ستنتهي كما في المرات السابقة الى طريق مسدود؟ بداية ينبغي ان نتذكّر ان ربع قرن بالكامل قد مرّ بين المبادرات والوعود لكن كل هذه المحاولات الامريكية لم تفض الى انضاج اي تسوية وجميعها باءت بالفشل... وعلينا ان نذكر هنا بالخصوص مبادرة ريغن ومن ثم جيمي كارتر عام 1977 وأيضا مبادرة السلام التي أطلقت إثر اجتياح لبنان عام 1982 وصولا الى وعود الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش والمتمثلة في «خريطة الطريق» ومؤتمر أنابوليس... وكل هذه الوعود لم يجن منها الفلسطينيون والعرب سوى الأوهام والسراب.... ومن هنا فإننا لا نخال ان الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما يملك «عصا سحرية» لتحقيق ما فشل فيه من سبقوه في غضون عامين فقط، كما وعد بذلك مبعوثه الى الشرق الأوسط جورج ميشل.. كما أننا لا نتصوّر ان كل ما يتصل من تصريحات ولقاءات تحت عنوان إعادة إحياء العملية السلمية ينطوي على توافر الارادات والظروف المطلوبة لتحقيق هذا الهدف بقدر ما أنه ينطوي في الحقيقة على عملية تضليل ضخمة وإذا حسنت النوايا فإنه يندرج في اطار حملة علاقات عامة تهدف الى التغطية على عدم رغبة الاطراف المعنية وجدّيتها في التوصل الى حلول مقبولة... فالظاهر ان هذه الحركة الأمريكية النشطة لم تتضمن أي تغيير على المرجعية السابقة الممثلة في خطة خريطة الطريق ولا على الآليات حيث تبدي واشنطن دعما أكبر لقناة المفاوضات الثنائية الفلسطينية والاسرائيلية بطرق سرية وعلنية .. ولكن اعتماد هذه المرجعية القديمة التي تجاوزتها أحداث نحو سبع سنوات حافلة بالمتغيّرات منذ الاعلان عنها في افريل عام 2003 ومرجعية المفاوضات الثنائية والمباشرة لا يعكس جدية التوجه نحو البحث المجدي عن حلول وشيكة بقدر ما أنه يعكس قدرا من الرغبة في مزيد استهلاك الوقت ليس أكثر، ذلك ان واشنطن لم تقدّم جديدا ولا تزال تعطّل المصالحة الفلسطينية وتعمل على توسيع الشرخ بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة.. وفي الحقيقة فإن شروط تحقيق تقدم في العملية السلمية غير ناضجة ايضا حتى على المستويين الفلسطيني والاسرائيلي ففي حين لايزال الوضع الفلسطيني الداخلي يشهد انقسامات وتجاذبات مستمرة تقف على رأس السياسة الاسرائيلية في المقابل حكومة متطرفة عاجزة عن اتخاذ مبادرات وقرارات جريئة تصبّ في اتجاه دفع قطار التسوية ولا تبدي ادنى اهتمام الا بمزيد من «الاتصالات» مع العرب بهدف العلاقات العامة ولا تطلق سوى رسائل رافضة لخيارات التسوية... عند هذا الحدّ يمكن ان نتصوّر ما الذي يمكن ان تفضي اليه مثل هذه الجهود الأمريكية والأوروبية والعربية وما تستهدف واشنطن تحقيقه من وراء مثل هذه التحركات الصاخبة وأي إمكانية للتوصل الى تسوية سياسية خلال المرحلة القريبة القادمة.. ولعلّ التساؤل يدور اليوم بالخصوص حول حدود وطبيعة الدولة الفلسطينية الموعودة في ظل تضارب المصالح والاستراتيجيات على المستويين الدولي والاقليمي الى حد لا يوفّر الارضية المناسبة للحلّ... ويمتدّ السؤال لتفضي الاجابة عنه الى انغلاق طريق الاتفاق على تسوية عادلة ومقبولة وقريبة الأمد حين يتصل الأمر ببقية قضايا ملف الوضع النهائي ومن أبرزها وأخطرها قضية القدس التي تتعرض الى تهويد مستمر ومتسارع وكذلك حق اللاجئين في العودة الى ديارهم وحتى اذا افترضنا جدلا ان المناخ المناسب لعودة الطرفين الى المفاوضات متوفّر فإن التطرق الى هذه القضايا قد يعيد الأمور الى المربع الصفر وربما يقتل المفاوضات حتى قبل ان تستأنف.. بقي ان نقول ان سياسة «التلميذ النجيب» الذي يطبّق نصائح «استاذه» ويقوم بواجباته ويطالب بالمفاوضات والمفاوضات طوال الوقت لم تعد تجدي نفعا... وأن اي حل للقضية الفلسطينية لا يمكن ان يتحقق قبل توحيد الصف وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.. والأولوية الوطنية .. وهذا هو «جوهر» الموضوع ولبّ القضية..