لم يتضرّر من انحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة الفلاحون فقط بل إن الضرر طال أيضا باعة المعاطف والملابس الشتويّة عموما وفي الوقت الذي تشهد فيه بعض المدن الأوروبية على غرار عاصمة انقلترا لندن انتعاشة قصوى لهذا الصنف من الباعة لدرجة أن محطّة «بي بي سي» الشهيرة قالت في تقرير لها ان الطقس أعاد للاقتصاد حيويته في هذا الوقت يشكو في بلادنا باعة الملابس الشتوية من ركود غير معهود حتى أن بعضهم سبق له أن نادى بإلغاء الصولد هذه السنة. سوق الڤرانا تلك السوق الشعبية المتماشية مع ميزانية «الزوالي» بالرغم من الازدحام فيها فإنك لا تسمع سوى صياح الباعة ووقع أرجل المارّة ولسان حالهم يقول «نشّوا الذبان». يقول فرج بائع ملابس جاهزة كأننا في فصل الصيف بما أن درجة الحرارة هذه الأيام لا تنزل تحت 20 درجة و«سأتفرّغ لبيع الملابس الشتوية بأسعار بخسة أو أجد حلاّ مع المزوّدين» لهذا الموسم الغريب والنتيجة «هاني انش في الذبان» و«الأجر على الله». كان هذا أيضا رأي كريم صاحب محل بيع ملابس رجال بقلب العاصمة والذي قرّر أن يضع ملابس الشتاء ويعرض من جديد ملابس نصف موسم وحتى ملابس صيفية. في شارل دي غول إلتقينا بالسيد علي الشوّالي فقال «إذا كان ارتفاع الاسعار نجح في التأثير حتى على سلّة المواطن العادي فما بالك بنا نحن تجّار الملابس الذين يبيعون ثيابا يمكن للمواطن أن يشتريها في الأسواق الموازية: سيدي بومنديل، المنصف باي اضافة الى الفريب والسوبر فريب يعني «افرز والبس ورحّم علىالوالدين». وفي شارل دي غول أيضا التقينا بالسيد وائل لبيض الذي يؤكّد أن المشكلة ليست مشكلة أسعار بقدر ما هي مشكلةطقس «ما هواش هو» لأن التونسي إذا أراد أن يشتري يفعل ذلك حتى ولو كلّفه حذاء مرتّبه ومنحة انتاجه وتحويشة السنة، المهم «ساقو مرتاحة» ويوافقه زميله معز عبدلي ويبرهن على ذلك باقبال الحرفاء على «الكبّوط القصير» المتلائم مع حرارة هذا الطقس «الشتوي» غير العادي. أما رفقة وهي بائعة فتقول أن الحرفاء يشترون» وليس هنالك أي اكتراث لا للأسعار ولا للطقس ولا للجودة. وبينما هي تتكلّم لفتت انتباهها فتاة مارّة من أمام المحل قد خفّفت من لباسها الى درجة يشعر المرء بالبرد بدلها. وقد نستخلص من جولتنا القصيرة هذه أن هذا الفصل الذي يحتفل فيه الاوروبيون بالبرد والثلج نحتفل به نحن في أجواء مليئة بالدفء، على أن هذا الدفء الذي نحسد عليه له ضريبة بيئية وضريبة اجتماعية يبدو أن البائع هو الخاسر الاول منها.