هنيئا لنوري المالكي وأتباع الاحتلال بجامعتنا العربية, هنيئا لمن أتوا على ظهور الدبابات الأمريكية وتحت جناح ظلام دخول قوات «المارينز» إلى عاصمة الرشيد... ففي ذات الظرف الذي تنهش فيه ميليشيات الاحتلال الأمريكي والإيراني ما تبقى من نسيج الوحدة الشعبية العراقية, وفي نفس الوقت الذي تتكشف فيه خبايا الغزو وأهدافه وأساليبه وأدواته, تمنح الجامعة العربية لعملاء الاحتلال شهادة تزكية وعلامة استحسان بإصرارها على احتضان بغداد المحتلة للقمة العربية لسنة 2011. عديدة هي الهفوات السياسية والتاريخية والأخلاقية التي تكتنفها هذه الخطوة التي تصر الجامعة العربية على اتخاذها, من بينها أنها مباركة لاحتلال الأوطان ونهب الثروات والوجود العسكري الأجنبي الذي سيظل موجودا حتى بعد الانسحاب المرتقب في نفس العام... ومن بينها أيضا أنها تعبير عن رضا الجامعة العربية عن إسقاط الأنظمة الحاكمة والشرعية والديمقراطية بالقوة العسكرية ..من بينها أنها قبول بمبدإ الاستقواء بالأجنبي وتحويل الأوطان إلى سلعة مقايضة بين الأحزاب المعارضة والدول الاستعمارية.. ومن بينها أيضا تكريس لأنظمة قائمة على الطائفية ومبنية على الارتهان لطهران وواشنطن وتل أبيب وضالعة في قضايا تنكيل وتقتيل وتعذيب... والأهمّ من كل ما سبق, كيف بإمكان جامعة تربط بين أقطار العالم العربي أن تتجاهل أن في هذا البلد بالذات توضع المقاصل والمشانق لأتباع حزب عروبي نذر أتباعه وأجياله وأبناءه للدفاع عن القضايا العربية المصيرية.. وأنى لهيكل عربي أن يتناسى سبب تداعي الدول الاستعمارية على العراق والمتمثل في تقديمه لنموذج عربي متميز وناجح في مجالات التعليم والصحة والتسلح والثقافة والفن وحتى الرياضة... وكيف أسقطت الجامعة العربية من ذاكرتها توقيع نوري المالكي على حكم تصفية الرئيس العربي السابق صدام حسين في أول أيام عيد الأضحى المبارك, وكيف استطاعت تجاوز تلك الصيحة التي أطلقها الشهيد في وقت غرغرته بأن تحيا فلسطين عربية... بلا شك, نسيت أمانة الجامعة العربية كثيرا من المعطيات التي كان من المفروض أن تصبح محدداتها الفكرية والسياسية... نسيت أن ما يسمى «الدستور العراقي الجديد» يرفض تعريف العراق على أنها دولة «عربية مسلمة».. وأن إحدى النجمات الثلاث التي أسقطت من العلم الجديد كانت ترمز إلى عروبة البلاد والنظام.. وأن حكومة المنطقة الخضراء تسعى جاهدة إلى توريط دولة عربية ذات سيادة في جرائمها الداخلية... ولم يبلغ علمها بعد أن وزارة التربية والتعليم العراقية أبدلت أول أمس تسمية «الخليج العربي» بالخليج الفارسي...ولم تعد بها الذاكرة إلى وضع رئيس وزراء العراق الجديد لإكليل من الزهور على قبور جنود الاحتلال الذين قتلوا مليوني شهيد عراقي إلى حد اللحظة... من حق ومن واجب الجامعة العربية أن تدعم العراق, الشعب والتاريخ والثقافة, وأن تقف معه في محنته ولكن مد يد العون لا يكون بإضفاء الشرعية على حكومة أتت من صناديق الاقتراع الطائفية وعلى دستور نظّر للتقسيم وباركه وعلى «أحزاب» تضع مساحيق «الديمقراطية» على وجه الاحتلال البغيض... العروبة في عراق اليوم, مثل الذهب الناصع نادر ولكنه موجود... نعم هي موجودة في قلوب مقاومين عراقيين صدقوا وما سرقوا وتقدموا وما أدبروا... ولهؤلاء فقط على الجامعة العربية أن تقدم الدعم والمعونة.. فهم العراق بطبيعته وطيبته وعراقته وعظمته... وهم أحفاد الشهيد الراحل وريحان من رياحينه...