مع اقتراب انقضاء الشهر الحالي تبدو الأمور سائرة نحو مواجهة جديدة ساخنة بين طهران والقوى الكبرى في مجلس الأمن لن تقتصر هذه المرة على القوى الغربية بل ان ثمة مؤشرات تدل على ان روسيا والصين ستقفان الى جانب واشنطن ولندن وباريس وبرلين خلال هذا الفصل الجديد من المواجهة، كما ان الأمر قد لا يقف عند معالجة البرنامج النووي الايراني وقد يتعداه ليشمل تعامل سلطات طهران مع مظاهرات المعارضة الأخيرة بعد ان فشل الخطاب الايراني على ما يبدو في اقناع العالم بوجاهة ونجاعة وجهة نظر طهران ازاء القضايا التي تشغل المنطقة والعالم .. فهل تفلح ايران في وضع استراتيجية قادرة على استعادة حلفائها الذين انفضوا من حولها او يكادون وعلى الافلات من عصا العقوبات؟ طهران وضعت للغرب مهلة تنتهي مع موفى هذا الشهر للتعاون معها وتمكينها من الوقود النووي الكافي لتشغيل مفاعل طهران للأبحاث والغرب مازال ينتظر ردا واضحا على الاقتراح الذي تقدمت به الولاياتالمتحدة ويقضي بنقل اليورانيوم الايراني الضعيف التخصيب الى روسيا لتخصيبه هناك الى مستويات اعلى ثم نقله الى فرنسا لتحويله الى وقود لتشغيل مفاعل طهران. وقد لوح اكثر من مسؤول امريكي والقادة الاوروبيون المجتمعون في آخر قمة لهم في بروكسل بفرض عقوبات جديدة على طهران اذا طال امد مماطلتها واستمر غموضها بشأن هذا العرض رغم اعلانها أمس رسميا رفض العرض الغربي. وقد دفع غياب الرد الايراني او غموضه مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي الى اصدار قرار ادان فيه البرنامج النووي الايراني واللافت في هذا الأمر ان قرار الادانة هذا شاركت في اعداده والتصويت لصالحه موسكو التي لطالما اعتبرت شريكا مميزا لطهران كما صوتت بيكين ايضا لصالح القرار و هو ما وصفه مراقبون بانه تطور مهم من شأنه ان يفقد ايران الكثير من الدعم في مجلس الأمن وسيضعف موقفها ومكانتها امام الحلف الذي يخطط لفرض مزيد من العقوبات عليها. ويبدو ان الايرانيين لم يتمكنوا خلال العام المنقضي من ابتكار ردود قادرة على احداث انقسام في مجموعة الست الدولية بل ان ما اعلنوه مؤخرا من عزمهم على بناء مصانع جديدة لتخصيب اليورانيوم لم يؤد الا الى رص صفوف المجتمع الدولي في مواجهتهم بل ان بعض الديبلوماسيين الأوروبيين يرون ان القطيعة الفعلية بالنسبة الى روسيا حصلت عندما كشفت واشنطن في سبتمبر الماضي عن موقع جديد لتخصيب اليورانيوم في ايران يتم بناؤه سرا ومنذ ذلك الوقت توترت العلاقات الروسية الايرانية فاخرت موسكو موعد بدء تشغيل محطة بوشهر النووية التي تبنيها في ايران كما ارجأت تسليم الايرانيين صواريخ «اس -300» للدفاع الجوي. وثمة معضلة اخرى تواجهها ايران اليوم وهي الاصطفاف الغربي ضدها حيال ما سمته الدول الأوروبية «احترام التزامها بمقتضى المواثيق الانسانية عندما يتعلق الامر بالتعامل مع المتظاهرين» فمنذ الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل لم يكف الغرب عن توجيه الانتقادات الحادة لنظام محمود احمدي نجاد وسياسة الهروب الى الأمام التي اعتمدها في قمع معارضيه بالتوازي مع استمرار موقفه المتشدد في الملف النووي كما يرى الغرب. ايران تقف اليوم اذن امام تحديات صعبة فهي فضلا عن اتساع رقعة التحفظات التي يبديها المجتمع الدولي حيالها من الملف النووي الى ملف حقوق الانسان والحريات السياسية تبدو متجهة نحو مزيد من العزلة وفقدان الحلفاء وهذا يتطلب اعادة النظر في السياسة التي ادت الى هذا المأزق بفتح حوار مع المعارضة وايجاد سبل سلمية لتهدئة الوضع الداخلي وتكوين جبهة داخلية قوية واعتماد خطاب اكثر عقلانية وواقعية في التعاطي مع الملف النووي وسائر الملفات الشائكة التي تعكر صفو علاقات ايران بمحيطها الاقليمي وبالمجتمع الدولي وفي مقدمتها التدخل في العراق والاتهامات الموجهة اليها بالسعي الى السيطرة على المنطقة ايديولوجيا وربما عسكريا.