أحرز أوباما على جائزة نوبل للسلام وهو لا يزال يخطو أولى خطاه على سدة الحكم.. متعثرا بين الوعود المنمقة والإنجازات المعطلة التي لم تتجاوز الشعارات النبيلة.. التي سرعان ما هلّل لها السياسيون العرب، فاستبشر بها المستبشرون وصفق لها المصفقون.. فأغدقوا على الرئيس الأمريكي الجديد المديح دون حدود! إنّ من أبرز عيوب العرب أنهم انفعاليون جدا.. متسرعون في إطلاق الأحكام دون تروّ... يأخذون بالكلام لا بالأفعال فتصل ردود أفعالهم حد التهور! وقد أدرك الغربُ سر البلاء، ما جعله يتلاعب بمشاعر هذه الأمة الساذجة يوهمها بالسلم وبخارطة الطريق تارة.. ويماطلها تارة أخرى.. سلاحه الكلام... لعنتنا الأبدية يا سادتي هي الثرثرة.. تتخاصم الدول العربية وتقطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية، وتعطّل مصالح شعوبها المشتركة لمجرد تصريح ورد فيه ما لا يروق.. حتى وإن كان تصريحا رياضيا أو نتيجة مباراة.. يُصبح بها الحبيب عدوا... فنناصبه العداء ونطلق للألسنة البذيئة العنان.. والأفلام الدنيئة اللجام.. والعدو منتش مما يرى ويسمع ويقرأ على أعمدة الصحف! أما قممنا العربية فحدث ولا حرج.. لعل الغرب أمسى يتندر بها.. فما يحدث بين رؤسائها وقادتها ووزراء خارجيتها يندى له الجبين أحيانا.. اتهامات.. سباب وشتائم تنتهي بمقاطعات! والعدو المتربص منتش مما يشاهد ويسمع مباشرة على الفضائيات... اللعنة تكمنُ في الكلمات.. فاللعنة على الكلمات التي تستفزّ المسؤولين وأصحاب القرارات! فيلوحون بالسخط والنقم في لحظة انفعال قد تهدم مسيرة بناء وشراكة بين الشعوب! اللعنة على معسول الكلام مروج الأوهام الذي يجعل أولى الأمر يترنحون مثمولين بزيف الوعود متشبثين! فلا القضية الفلسطينية أحرزت تقدما منذ عقود.. ولا العراق أصبح أكثر ديمقراطية وسلاما وأمانا كما أوهموكم يا سادتي! ولا المسلمون عامة طاب لهم مقام ببلاد الغرب، تلاحقهم التهم ويتربص بهم «ڤوانتنامو» أيا كانت جنسياتهم! فالعنصرية إزاء المسلمين في تفاقم مستمر... يستفحل كالداء الخبيث من يوم إلى آخر! والتعدي على مقدساتهم ومعالمهم الدينية يكاد يصبح عادة في أوروبا وغيرها.. من انتهاكات وحرق للمساجد والمصاحف الشريفة واستهزاء بالنبي الكريم ے. ...حتّى المناخ والبيئة لم يسلما ولم يكونا أوفر حظّا! فهما في تداع مستمر ولم يشفع لهما مؤتمر كوبنهاغن في شيء فماما أمريكا ومسانديها من الدول الأكثر تصنيعا في العالم لا يأبهون بأمنا الأرض ولا بمصير من عليها! وإذا ما عُدنا للكلام عن صاحب جائزة نوبل للسلام لعام 2009 باراك أوباما، فلا أظننني قرأت أو سمعت ما يؤيد تحمسه لإنقاذ هذا الكوكب من قرارات حاسمة قد يكون اتخذها لصالح الإنسانية جمعاء ولم يبلغ لسمعي إلى حد الآن خبر إغلاق «ڤوانتنامو» فعليا... صاحب جائزة نوبل للسلام سادتي قرّر الترفيع في «الميزانية الحربية» لبلاده ترفيعا غير مسبوق لم تشهده بلاده من قبل... لن أسميها ميزانية وزارة الدفاع بل هي أساسا وزارة الهجومات والغزوات والحروب المتتاليات! صاحب نوبل للسلام قرر إرسال عشرات الآلاف الإضافية من الجنود لأفغانستان! صاحب نوبل للسلام، سادتي لم يحرك ساكنا تجاه محرقة غزة بل تمسك بحق إسرائيل الغازية في الردع وإن كان بأسلحة محضورة دوليا تجاه شعب شرعي مستعمر وأعزل!! فهل نال أوباما جائزة نوبل للسلام مقابل ضمان سلام دولة إسرائيل دون غيرها؟! هو الذي يتوعد إيران وكوريا الشمالية ويندّد بتمسكهما في امتلاك النووي متناسيا ترسانة إسرائيل من الأسلحة النووية والكيميائية والجرثومية متجاهلا التنديدات العربية والعالمية التي تناشد بإخلاء منطقة الشرق الأوسط كليا من أسلحة الدمار الشامل! ... سنة جديدة تستهلها أمريكا بالتدخل العسكري في اليمن تتعقب على حد زعمها نشطاء القاعدة هنالك.. تتنطّط بين العراق وأفغانستان واليمن.. والقصدُ شريف والنوايا حسنة والأغراض نبيلة؟! فالنواميس والأعراف الأمريكية تُشرّع شن الحروب والتقتيل والتشريد والتدمير مقابل نشر «الديمقراطية المستحدثة» لبلوغ «السلام المنشود»! حسب رؤية أو دمغجة أنانية وانتهازية لا مكان للعنصر الإنساني في حساباتها! غايتها الوحيدة النهب والسلب أي نهب ثروات غيرها من الدول والارتزاق والإثراء الفاحش على حساب دمار البشرية وفنائها! في ظلّ كل هذه المعطيات التي «تخدم السلم والسلام» لا يسع العالم إلا أن يتقدم بأحر التهاني للرئيس أوباما على فوزه «بالنوبل الصهيوني للسلام»! مع أطيب الأماني لأمتنا العربية بمزيد النوم في العسل ومزيد من الاحتفاءات بمعسول الكلام وفيض الأوهام... والاكتفاء بالأحلام!! لطالما لم يردعنا نصح ولا ملام! فلا عجب أن يرتع في أوطاننا اللئام! أقول قولي هذا وعلى الدنيا السلام!