نزل الخبر مثل الصاعقة أو أقسى.. الولاياتالمتحدة حرضت الطبيعة على هايتي وزلزلت الأرض تحت أقدام الهايتيين الأبرياء وألغت في لحظة من الوجود عشرات الالاف من الأطفال والعجز.. لم يكن الأمر حربا عسكرية ولا غزوا مسلحا ولا تطهيرا عرقيا بالمعنى المألوف وإنما قتل تحت جبة غضب الطبيعة.. واحتلال متستر برداء المساعدات الإنسانية.. وإدخال البلد في دوامة من الفوضى والجريمة المنظمة سرعان ما تتحول إلى سبب موضوعي لبقاء القواعد العسكرية الأمريكية.. مئتا ألف هايتي قضوا في الكارثة «الأمريكية».. كان بإمكانهم أن يبنوا الدولة الفتية وأن يكونوا لبنة للمشاريع المستقبلية وعماد هايتي.. بيد أن واشنطن أرادت لهذا البلد أن يعيش مأساة الزلزال ومأساة العجز عن اللحاق بالدول المتقدمة ومأساة الاختراق الأجنبي..وكان لها ما تريد فهل نحن إزاء غزو جديد يخرب البلدان من الداخل ,ويقوض السيادة الوطنية من دون ضغوطات خارجية..ويريح بال المحتل من «الفائض البشري».. قبل أن يبسط سلطانه من دون أية مقاومة شعبية تذكر ؟ وهل أن الولاياتالمتحدة عازمة على استنساخ أو التلويح «النموذج الهايتي» في البلدان العربية.. عقابا تارة ووعيدا أطوارا أخرى ؟ أعادنا تقرير الجيش الروسي السري عن إصرار الولاياتالمتحدة وإسرائيل على إجراء تجربة السلاح الزلزالي في منطقة كاريبي قصد تعريضها إلى كوارث طبيعية عنيفة تسمح لها بالدخول لهايتي إلى وباء «إنفلونزا الخنازير» الذي أكد معظم الأطباء أنه «فيروس مخبري مطور في المصانع الامريكية والاوروبية» يهدف إلى إراحة العالم من «الزائد البشري» أو بالأحرى من يتوجسون خيفة من «القنبلة الديمغرافية» في الشرق الأوسط.. وأرجعنا إلى المساعدات الأمريكية للمناطق المنكوبة في القارة الإفريقية والآسياوية حيث تعمد واشنطن على محاباة قبيلة على أخرى وطائفة على ثانية حتى تؤجج الاحتقان وتلهب نيران الصراعات وتزيد من عمر الفوضى سنينا ومن مدة وجودها عقودا..وأحالنا إلى السبب الحقيقي وراء «الفيتو» الأمريكي ضد التوقيع على اتفاقيات حفظ المناخ والحد من الأسلحة النووية وإلى تعمدها إفشال مؤتمر كوبنهاغن للمناخ.. وأنى للولايات المتحدة أن توقع على معاهدات دولية تلجم أساليبها الجديدة لاحتلال الأوطان..فاحتلال العراق وأفغانستان حاليا والفيتنام سابقا رسخ في أذهان قادة الجيش الأمريكان أن الدخول من بوابة الغزو العسكري يخلق الأعداء أكثر من الأصدقاء.. ويدحض كافة شعارات الحرية والديمقراطية ويسيء لصورة الولاياتالمتحدة داخل المنظمات الدولية ويجعل من سلوك بعض الحكومات المتحالفة معها متذبذبا بين السعي إلى إرضاء البيت الأبيض والدفاع عن مصالحها الوطنية والقومية مما يسبب لها عظيم الحرج داخليا وخارجيا.. فكانت هايتي أولى التجارب على قدرة الولاياتالمتحدة على إدخال قواتها وعلى سرعة بسط سيطرتها على المناطق الحيوية ورهن حكومة هايتي في قبضتها وبناء القواعد العسكرية من دون أن تنسى هذه الفيالق توزيع المساعدات الإنسانية على الشعب المنكوب وذرف شيء من الدموع على موتاهم ومقاسمة فرح بعضهم بانتشال أحد الناجين من الكارثة... كانت هايتي أولى تجارب الاحتلال باستدعاء رسمي من الحكومة الرسمية, وأولى تجارب الاستعمار دون مقاومة شعبية أو عسكرية.. وأولى تجارب احتلال ,ضحاياه قضوا قبل وطئ أقدام «المارينز» أرض هايتي..بيد أنها لم تكن أولى الدول المحتلة باسم الأقدار الإلاهية.. خلاق جدا,الفكر العسكري الأمريكي يكفي أنه جنب حكومته مليارات الدولارات المقتطعة من جيب دافع الضرائب الأمريكي ..وأنقذ حياة ألاف القتلى من جنود بلاده الذين يتحولون إلى نقاط استفهام محرجة عن جدوى الحرب قبل أن يصبحوا أوراقا سياسية في يد الجمهوريين أو الديمقراطيين.. وحافظ على عقيدة الجيش الأمريكي بالتمدد في أصقاع العالم دون التأثر بالأزمة المالية العاصفة ..وسحب بساط «الشرعية» عن أية مقاومة شعبية تحارب القوات الأمريكية..وفوق كل ذلك حاز على تأييد وتنويه المنتظم الأممي . لم تنس واشنطن التحركات الشعبية والرسمية التي رافقت احتلال العراق والتي تصاعدت حدتها مع إسقاط صدام حسين وكشف التعذيب المقترف في سجن «أبو غريب», فاختارت «الاحتلال البارد» بالإجماع الدولي وحافظت على منظومة الدولة والجيش والدستور التي فقدتها في العراق وعانت من فقدانها إلى أبعد الحدود.. تجربة نووية (وذاك حق شرعي) تعقبها كارثة (وتلك اقدار إلاهية) تردفها مساعدات (وهي واجب إنساني) يتحول إلى احتلال مقيت وتلك هي طبيعة الأمور وحقيقة نهاياتها...رباعية غزو جديدة أبدعتها الدوائر العسكرية الأمريكية التي لا يضيرها تغيير الأسلوب طالما أن المنتهى واحد..وطالما أن الرئيس الجديد يسعى إلى خلق التوازن الاستراتيجي بين برنامجه الانتخابي المبني على التغيير وحتمية التمدد لدى الإمبراطورية الأمريكية.. مرة ثانية ينفضح الوجه الحقيقي للرئيس باراك أوباما ويسقط شيء من الغشاوة التي منعت البعض من رؤية الحقائق السياسية والاستعاضة بها عن «أضغاث الأحلام».. وأمام هذا الواقع تتناسل أسئلة عنها وتتكاثر أجوبة لها في أذهان المتابعين تقول , هل أن العالم العربي والمسلم بمنأى عن هذه التهديدات؟.. قطعا لا.. هل أن طمع الأمريكان بلغ حده في البلدان العربية؟.. قطعا لا.. هل بإمكاننا أن نمنع الولاياتالمتحدة من القيام بتجارب عسكرية نووية في منطقتنا؟.. قطعا لا.. هل أن التجربة الهايتية الناجحة ستستنسخ في عالمنا العربي؟.. مرجح.. في بعض الدول العربية فقط والاخرون؟.. للأسف ضربهم ذات الزلزال السياسي منذ أمد..