القاهرة «الشروق» من مبعوثنا الخاص نورالدين بالطيب لم أكن أتّصوّر أنّني سأجد نفسي في يوم من الأيّام شاهدا على تلك الأمواج العارمة من المصريين التي احتلت شوارع وسط القاهرة من طلعت حرب الى ميدان التحرير الى قصر النيل و26يوليو وعدلي وهي الشوارع الرئيسية وسط العاصمة التي احتّلها الجمهور الذي رابط في الشوارع الى السّاعات الأولى من الصباح احتفالا بترشّح المنتخب المصري على المنتحب الجزائري الى نهائي كأس إفريقيا بأربعة أهداف نظيفة مساء الخميس الماضي !. منذ أن وطأت قدماي المطار، من أعوان الأمن الى الجمارك الى المسافرين بمختلف الجنسيات، لم تكن تستطيع أن تسمع حديثا أنت القادم الى القاهرة الاّ عن ترشّح المنتخب المصري وعندما غادرت المطار لاختيار «تاكسي» وعلى غير العادة لم أجد نفسي محاصرا بعارضي الخدمات من سائقي التاكسي ووكالات الأسفار والنزل والشقق فالجميع كان مشغولا بهذه المقابلة التي اعتبرها الجمهور المصري «ثأرية»، ولأوّل مرّة في تاريخ زياراتي المتتالية الى القاهرة كان عليّ الانتظار قليلا للعثور على «تاكسي» تقلّني الى النزل الذي اخترته في وسط البلد وهي المنطقة التي تذكّر كل من يزور القاهرة بالزّمن القاهري الجميل الذي أرّخه نجيب محفوط ويوسف شاهين وإبراهيم أصلان ويوسف إدريس وعبدالرحمان الأبنودي وفؤاد نجم وجمال الغيطاني وغيرهم من ألمع كتّاب مصر وسينمائييها . واذا كان وسط البلد معروفا باكتظاظه وحركة المرور الخانقة ليلا ونهارا فلا شيء في ليلة أوّل أمس حين وصولي كان ينبئ انّني في القاهرة فالجميع مشغول بالبطولة الافريقية ونتيجة المقابلة .بل حتّى المسارح ألغت عروضها وقاعات السينما القليلة التي لم تلغ حصّة العرض المسائية كانت مقفرة تماما من الجمهور فالجميع جسده في القاهرة والروح مع مصر في أنغولا ؟ الفرحة العارمة في مقهى من مقاهي طلعت حرب تابعت المقابلة مع الجمهور وفي الحقيقة قد تكون هذه هي المرّة الأولى التي أجلس فيها كل ذلك الوقت في مقهى مع جمهور «مجنون» بفريقه فحتّى في تونس لا أذكر أنّي شاهدت مقابلة في مقهى فلست من المدمنين على الكرة ولكن عندما يتزامن وصولك الى مصر مع هذه المقابلة لا تستطيع أن تتخلّص من الكرة فحتّى أصدقائي الذين اتّصلت بهم من الكتّاب والصحفيين والمسرحيين كانوا جميعا في بيوتهم على غير العادة فلا شيء بالنسبة لهم يعلو على مصر في هذا الموعد الذي اعتبروه تاريخيا . منذ الهدف الأوّل الذي سجّله حسني عبدربّه بدأ الصراخ وبدأت الشوارع تمتلئ تدريجيا بأطفال وشبّان احتّلوا الأرصفة ملطّخي الوجوه بألوان العلم المصري وكان العدد يتكاثر مع كل هدف وبمجرّد اعلان الحكم البينيني عن انتهاء المقابلة خرج الجمهور في مجموعات وسيارات ومن كل الاجيال ليحتّلوا وسط القاهرة . شماريخ ...أعلام مصر بكل الأحجام... مزامير...أغان ...رقص... سيارات تطلق صفّاراتها احتفالا بالحدث الذي يتحقّق لأوّل مرّة في تاريخ المواجهات الرياضية المصرية الجزائرية ولم تغب المرأة عن هذا الاحتفال التلقائي فقد غصّت الشوارع بالفتيات اللائي كنّ يزغردن في مجموعات وينفخن في المزامير ويوقّعن على طبول صغيرة وقد تعطّلت الحركة تماما في وسط البلد واضطرّ أصحاب المحلاّت الى غلق الأبواب الخارجية خوفا من تدفّق الجمهور واستمرّت هذه الحالة من «هيجان» الجمهور الى السّاعات الأولى من الصباح ومّما زاد في «عنفوان «هذا الاحتفال تزامنه مع عطلة نهاية الأسبوع». حالة استنفار المقابلة كانت مسبوقة بحالة استنفار كبيرة خوفا من أن يتكرّر سيناريوما حدث بعد مقابلة الخرطوم لا سمح اللّه وشخصيا كنت متوجّسا ساعة وصولي من أن تتكرّر الأحداث المؤسفة بين شعبين شقيقين بسبب مقابلة في كرة القدم، وشعرت بارتياح كبير حين انتهيت من قراءة الصحف الصادرة يوم الخميس فقد نشرت بيان مجلس الوزارء المصري الذي دعا فيه الجمهور المصري ووسائل الاعلام الى الهدوء وعدم الاساءة الى العلاقات المصرية الجزائرية العريقة واحترام الأخوة المصرية الجزائرية كما ركّزت بعض الافتتاحيات على ضرورة التزام الهدوء واحترام نتيجة المقابلة بحب التّرشّح شئ طبيعي لكن لا يمكن أن يتحوّل الى اعتداء على رموز الجزائر وهو ما تمّ فعلا فالجمهور الذي امتلأت به الشوارع الى الساعات الأولى من الصباح كان منتشيا بترشّح فريقه لكنّه لم يسيء للجزائر بأي شيء فقد كان منضبطا وتجاوز مخلفات مقابلة الخرطوم التي أعتبرها بعض كتّاب الأعمدة «نكبة»و»لعنة»أساءت ليس لمصر والجزائر فقط بل للعروبة أيضا . فهل تكون بطولة إفريقيا 2010 من نصيب مصر ؟ ذلك ما تأمله الجماهير العربية بعد انسحاب الجزائر وقبلها تونس لتكون البطولة عربية هذه المرّة ؟ هذا هو الطموح الآن الذي ينتظر الجميع تحقيقه يوم الأحد 31 جانفي .