في سباق بطولتنا الرياضية الوطنية وأساسا في مقابلات «الدربي» في كرة القدم تطالب الهيئات المسؤولة بطاقم تحكيم أجنبي لإدارة المباريات وذلك لعدم الثقة في أداء طاقم التحكيم التونسي أو هكذا أرى، وفي جوائزنا الأدبية يشكك المهزومون في نزاهة النتائج وبالتالي في نزاهة اللجان، فتقوم الدنيا ولا تقعد ويطالبون بلجنة تحكيم أجنبية ويشككون بالتالي في قيمة الجائزة وقيمة النص المتوج وقيمة صاحبه حتى وإن كان صاحب النص المتنبي عينه، وفي برنامج «موزيكا وفرجة» لما طرحت المنشطة قضية مهرجان الأغنية التونسية للنقاش يوم السبت الفارط مع الفنانين حسن الدهماني ومنيرة حمدي وكريم شعيب طالبت الفنانة منيرة حمدي بلجنة تحكيم من خارج تونس للخروج من دوامة النتائج وعواصف التشكيك والتأييد على حد سواء إذا رمنا التقدم بمهرجان الأغنية التونسية، والسؤال الذي يتبادر للذهن في هذا الصدد: هل نبعد كل كفاءاتنا ونلتجئ للخارج؟ وما قيمة جوائزنا ومهرجاناتنا بعد ذلك؟ وكيف نطالب بالاحتكام للأجنبي في حياتنا الثقافية بمختلف صنوفها؟ فما معنى الاستقلال؟ وما هو مفهوم السيادة؟ فلم لا نطالب كذلك وزارتي التربية والتعليم العالي بجلب أساتذة أجانب للبت في امتحاناتنا الوطنية؟ هل يعقل ما نرى ونسمع من هنا وهناك وفي هذا الوسط وذاك؟ وهل يتقدم أي وطن بغير أبنائه وكفاءاته؟ ثم من المفارقات العجيبة في هذه الحصة أن نقف على تناقض صارخ في التصريحات من نفس الفنانين، إذ توجه الفنان كريم شعيب باللوم لهيئة مهرجان قرطاج المنفتحة في برمجتها للسهرات والعروض على الفنانين الأجانب ونوه بالأصوات التونسية القادرة على تأثيث سهرة على مسرح قرطاج، فكيف يلوم قرطاج ويأتي مثله؟ فهل يؤمن كريم شعيب ومعه منيرة حمدي بمقولة «حلال علينا... حرام عليكم» في تناول الأشياء، فكيف يطالب بتحكيم أجنبي مقابل إقصاء كفاءات بلده الشعرية والموسيقية في مهرجان وطني وبأموال وطنية ويلوم في جانب آخر إقصاء الفنان التونسي. أليس من النزاهة أن يؤمن بقانون المعاملة بالمثل، وأن لا يشتكي من الإقصاء والانتصار للفنان الأجنبي في مهرجاناتنا. إن تونس بلد أثبت نجاحه بامكانياته البشرية في جميع المجالات فهذه أيام قرطاج المسرحية والسينمائية التي استحالت بمجهودات وطنية قبلة لكل الفنانين وعلامة في تاريخ السينما العربية وكذلك في تاريخ الفن الرابع العربي، ثم إن مسرح قرطاج الذي يعد مدرسة فنية ومطمحا لكل الأصوات العربية شأنه في ذلك شأن أكبر المهرجانات الدولية حقق هذه النجاحات بأفكار وسواعد تونسية على غرار الطاهر شريعة. إذن فتونس لن تتقدم الا بأبنائها وكفاءاتها وجامعاتها ومؤسساتها.