حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكراي قال «سي» أحمد بن صالح في معرض حديثه عن الظروف التي حفت بمرحلة التعاضد، التي مازلنا بصددها، إن الآفاق العشرية لم تتكلم بالصريح عن التعاضد... لأن التعاضديات جاءت بعد استرجاع الأراضي التونسية من الاستعمار الفرنسي.. بداية الستينات، كما ذكرنا ذلك آنفا»..... سألت «سي» أحمد عن هذا الموقف الذي ما فتئ يردده حول التعاضد، وأن السلطة لم تغصب أحدا لكي يدخل في هذه المنظومة، في حين يقول العديد من الفلاحين إنهم أجبروا على ذلك، فقال: أعيدها وأكررها، نحن لم نجبر أحدا على الدخول في التعاضد، لأنه وببساطة لم يترك الاستعمار الفرنسي والمعمرون بالذات الأراضي الشاسعة والغنية والخصبة في الشمال خاصة الى أهل البلاد... كان المعمرون (المستعمرون) يسيطرون على الشمال، استعمارا كاملا، كما ذكرت لك آنفا.... لقد كان هذا الأمر واضحا في ميدان التنمية حيث جاء ملتقى القطاعات الثلاثة لتأكيد وترسيخ التوجه الأساسي في المجال، مجال التنمية لقد ساد وضوح واجماع في المؤتمر الى أن أخذ الجو يتبدد لأسباب عديدة سواء كانت لتأثيرات باطنية (ويقصد داخلية ذاتية...) أو لتأثيرات خارجية فنحن، لم نكن وحدنا كوزارة هناك قصر (الرئاسة) ومؤسسات... ودول متحمسة لتجربة تونس وأخرى لا.... أنا أقول في هذا الباب وسوف نتناول المسألة بالتدقيق في لاحق الحلقات أقول إن الموضوع لم يكن موضوع السياسة الفلاحية... فأنا لا زلت أعتقد ذلك الى الآن»... قلت: إذن سياسة ماذا؟ فقال مواصلا، وكأنه لم يسمع السؤال: السياسة الفلاحية لها أعداء... وأعداؤها هم الذين (وهم بعض كما يستدرك صاحب المذكرات) يطمعون وقتها في أن يعوضوا المعمرين الفرنسيين...» قلت: أتقصد أن التعاضد كسياسة، لم تتماش وطموحاتهم؟ قال: «نحن استعملنا الأراضي المسترجعة من الفرنسيين كركيزة.... وهنا أقول لك إن خلاصة الخلاصات، تكمن في أن موضوع الأزمة لم يكن اقتصاديا... وسوف نبين ذلك... موضوعها (الأزمة) كان وراثة الحكم ومصدرها ربما حرمان وعجز البعض عن الاستيلاء على بعض الثروات.... فالمسألة لم تكن معارضة مبنية على أسس فيها تزييف... وهنا أقول لك شيئا: على افتراض أنها كانت سياستي شخصيا، فكان الحل أن يحيد بن صالح، ثم تسير الأمور... أنا الآن أتحدث بمسافة تاريخية، أي بدم بارد، وأحلل لكن ما يجب أن أذكره، أن كل أعضاء الديوان السياسي، كانوا رعاة PARRAINS للتعاضد.... لكن هذا الأمر لا يتحدثون عنه أبدا... فعندما أقول إننا لم نجبر أحدا على الدخول والانخراط في التعاضد، فإني أعي ما أقول... كان الجميع متفقا ومتحمسا من أجل أن نحدث التغييرات الجوهرية التي تحتاجها تونس... طيب، أنا أقول لم يعجبكم الوزير، ليخرج الوزير لتواصلوا ما اتفقتم عليه، كحكومة وكديوان سياسي... لكن شيئا من هذا لا يذكر... أعتقد أن هناك بعض الدول وبعض الأشخاص، خافوا في وقت من الأوقات، من أن يحتذى مثال تونس... فقد بدأت في تلك الفترة بعض الدول تشيد بالتجربة التونسية، منها دول افريقية كانت تبعث بوفود لها لتشاهد السياسة التونسية في المجال (التعاضد الفلاحي)... طبعا هذا شعور وانطباع شخصي، لكنه مدعم بالوقائع... كنت، كما ذكرت سابقا أرأس اجتماعا سنويا لثماني أو تسع دول تقدم مساهماتها في مجال التنمية في تونس... وكانت الكتابة (للجلسة) عند البنك الدولي... فهل هناك أكثر من هذه الضمانات... دول غربية، مشاركة في مشاريع في تونس والبنك الدولي منخرط... في الموضوع... هل هناك أكثر من هذه الضمانات في أن التجربة لم تكن سوى ذات خصوصية تونسية، وليست اشتراكية منغلقة أو مذهبا من مذاهب الشيوعية؟. وهنا أضاف «سي أحمد» تعليقا طريفا يوحي بالكثير: «هذا رغم أن الجو لم يكن مناسبا... فقد كانت الحرب الباردة قد بدأت بعد.... وأن أي نوع من هذا كان متهما بالشيوعية... فقد حل عهد «ماكارتي»... والجميع يعرف ماذا حدث زمن «الماكارتية» أمّا في وقت كيندي فلا كلمة تقال حول التجربة التونسية».... فإلى حلقة قادمة من هذا الركن مع «سي أحمد» بن صالح...