شهدت الأيام الماضية، وستشهد الأيام المقبلة حراكا ديبلوماسيا أمريكيا وإسرائيليا في كل الاتجاهات بهدف حشد تأييد دولي لفرض مزيد من العقوبات على إيران وعزلها وإضعافها حتى أن طهران وجدت نفسها في وضع لم تعهده من قبل فالخصوم يحاربونها بشتى الوسائل لانتزاع تنازلات منها عما هي ماضية فيه والحلفاء لم يثبتوا حتى الآن قدرة على الصمود في وجه الضغوط الرهيبة التي يسلطها أولئك الخصوم عليهم بشكل يهدد طهران فعليا بخسارة المواجهة مع الغرب رغم اعتمادها خطابا واثقا ساخرا من الجميع، فهل بدأت مؤشرات الهزيمة تظهر فعلا على الجمهورية الايرانية في مواجهة المجتمع الدولي؟ بداية التصعيد الغربي كانت مع جولة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في منطقة الخليج حيث حذّرت من تحوّل إيران الى ما سمّتها «دكتاتورية عسكرية» لتمهد بذلك لفرض عقوبات صارمة على «الحرس الثوري» الرقم الصعب في المعادلة السياسية والعسكرية الايرانية. ورغم حرص كلينتون على طمأنة الايرانيين والمنطقة والعالم إلى أن واشنطن لا تعتزم توجيه ضربة عسكرية لطهران فإن قلقها لم يكن خافيا ونواياها كانت أيضا واضحة في التحريض على النظام الايراني ومحاولة خلق جبهة دولية موحدة ضده. بالتزامن مع جولة كلينتون الخليجية كان رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية مايكل مولن قد وصل الى إسرائيل في زيارة جمعت بين التحذير والتحريض، ولم يخف الجنرال الأمريكي انزعاجه من الانعكاسات غير المتوقعة لأي عملية عسكرية ضد إيران لكنه لم يتردد في تضخيم الخطر الايراني والحديث عن احتمال حصول طهران على قنبلة نووية خلال فترة تتراوح بين العام والثلاثة أعوام، وانتهى مولن الى ما انتهت إليه كلينتون من ضرورة تشديد العقوبات الدولية لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية. لكن التحرّك الأخطر في هذا السياق جاء من تل أبيب ومن رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي طار الى موسكو بهدف واحد وهو إقناع روسيا بالامتناع عن بيع إيران النظام الصاروخي «أس.300» القادر على إسقاط أحدث الطائرات الهجومية في العالم وهو ما كان له فعلا. وقد ابتدعت موسكو في اليوم التالي لزيارة نتنياهو حكاية «المشاكل الفنية» التي تعطّل إتمام صفقة «أس.300» مع طهران، وهي حجة لم تُقنع الايرانيين بل أثارت استياءهم وربما غضبهم. هكذا وجدت إيران نفسها اليوم بين الحصار الغربي المفروض عليها وعصا العقوبات المرفوعة في وجهها وتخلّي روسيا عنها، فبعد تأخر تدشين محطة بوشهر النووية التي تُشرف موسكو على إنشائها وتشتغل بخبرات روسية مرارا ولأسباب تقول روسيا إنها فنية، وماهي كذلك، جاءت صفعة تأخير إتمام صفقة صواريخ «أس.300» لتزيد من تأزيم الوضع الإيراني. والحقيقة أن الضغوط الاسرائيلية أثبتت مرارا أنها ناجعة في تغيير موقف روسيا، التي تكاد تكون الحليف الوحيد لطهران داخل المجتمع الدولي (إلى جانب الصين). وهاهي إيران اليوم تشهد تضييقا للخناق غير مسبوق وباتت مهددة بخسارة المعركة لذلك بدأت تغيّر من لهجتها وسعت الى إعطاء انطباع للعالم بأن خبراتها وقدراتها الذاتية تجعلها في غنى عن أي حليف، وقد كرّرت هذا المعنى في أكثر من خطاب، فقد أعلنت بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪ بشكل ذاتي (على عكس ما يريد المجتمع الدولي) بل ألمحت إلى قدرتها على التخصيب الى درجة 80٪ مع أنها لا تحتاج الى ذلك، وأعلنت طهران أيضا قدرتها على التعويل على قدراتها الذاتية في الملف النووي، عبر تأكيد تفوّق الخبرات الإيرانية في هذا المجال وإعلانها عن بعض الاختراعات العسكرية مؤخرا مثل طائرة «شيطان البحر» والمنظومة الصاروخية الشبيهة بنظام «أس.300» الروسي وفي ذلك تهيئة وطمأنة للشارع الايراني بأن طهران قادرة على تلبية حاجاتها النووية بنفسها في حالة تخلّى عنها الجميع. ولكن كل هذا الكلام يبقى في حاجة الى الإثبات لأن طهران تعتمد سياسة الغموض في كل ما يتعلّق بملفها النووي وتحصّن هذا الملف بقدر كبير من الوقاية والتخفي لكنها لا تتردد في إطلاق التصريحات التي تبدو أقرب الى التهديدات والى الاستهلاك المحلي السريع، وتبقى نجاعتها وفاعليتها مرتبطة أساسا بمدى جديتها وصدقها.