بغض النظر عن مدى صحة ودقة ما نسب لجهاز الشرطة الاماراتية بضلوع «عميل» في حركة المقاومة الاسلامية «حماس» في اغتيال القيادي محمود المبحوح، فإن عملية التصفية وحيثياتها تطرح أكثر من تساؤل محيّر واستفسار حارق على قيادة «حماس» وأجهزتها الاستخباراتية. منها، كيف لحركة «حماس» أن تترك قائدها العسكري المطلوب اسرائيليا دون رقابة تذكر ولو سرية عند تنقله خارج فلسطينالمحتلة وسوريا؟ ثم كيف تغافلت القيادة الحمساوية عن معطى نزول المبحوح في ذات النزل 5 مرات متتالية في زياراته المتكررة الى الامارات العربية؟ وكيف تسرّبت معلومة موعد زيارة المبحوح للامارات على الرغم من أنها تأكدت قبل 24 ساعة فقط على صعود الطائرة؟ ومن هو الذي استطاع أن يستقي معلومة اتخذت من قبل الفريق القيادي المضيّق ل«حماس»؟ وكيف قبلت «حماس» أن يستعمل «أبو العبد» الجوّال في ذات الوقت الذي أصبح فيه الاخير أداة للمراقبة والترصد؟ ولماذا أقرّت قيادات «حماس» أن يتوجّه المبحوح الى الامارات التي شهدت قبل اغتياله زيارة للوفد السياحي الاسرائيلي لها وأثناء التصفية وجود فريق التنس الصهيوني بها. ومن اختار سياسة «التنقل» بين العواصم العربية بينما وصلت أيادي «الموساد» المرجع الأمني ل«حزب الله» بالضاحية الجنوبية لبيروت وامتدت الى قلب العاصمة السورية دمشق. وكيف تجاوزت الحركة الحرب الصهيونية «القديمة الجديدة» الهادفة الى ضرب «عقول» المقاومة الميدانية بعد أن أكدت بوضوح في (2006 و2009) أنها قاعدة النجاح السياسي ولبنة التماسك الميداني؟ نطرح هذه التساؤلات، ليس من باب المزايدة على «حماس» ولكن لأن اختبارها الطويل لمنظومة عمل العدو الصهيوني يحول نظريا على الاقل دون تجاوز هذه الحسابات إن لم تتحوّل الى استراتيجيا في التعامل مع تل أبيب. صحيح أن قرار تصفية كل فلسطيني وعربي مقاوم اتخذ منذ 22 ديسمبر 1935 من طرف ديفيد بن غوريون الامر الذي يجعل كل مناضل سياسي أو عسكري أو إعلامي تحت نير هذا القرار، بيد أنه عليه أن يكون دافعا للحيطة والحذر وليس العكس لا سيما عندما يتعلق بقيادات أنيطت بعهدتها مهمة تنسيق الجهود بين «حماس» الداخل والخارج. على «حماس» أن تدرك أن تل أبيب ترمي عبر هذه الاغتيالات الى ضرب لا فقط العمود الفقري للحركة وإنما «النموذج» الذي تقدّمه «حماس» وباقي الحركات المقاومة وأن تجعله مشوّها على كافة المستويات، وأنها في حال نجحت في إفشال هذه المرامي فإنها ستضيف الى قائمة انتصاراتها نصرا جديدا ساحاته خلق المثال المقاوم المنظّر والمؤطّر وطبعه في أذهان الاجيال الحالية والقادمة والتي تليها... إنها حرب الوعي والإدراك...