لم تكن «ليلة السياحة المصرية» بالمسرح البلدي بتونس ليلة أول أمس في مستوى انتظارات الجمهور التونسي الحاضر بأعداد ضئيلة، خلافا لما كان متوقعا، وأغلب الحاضرين كانوا من الأشقاء المصريين المقيمين بتونس. «ليلة السياحة المصرية» لم تكن في مستوى الانتظارات لعدة اعتبارات لعل أبرزها المتعلق بالسينوغرافيا في عرض فرقة رضا للفنون الشعبية الذي افتتح تلك «الليلة» حيث قدّمت هذه الفرقة لوحات راقصة غاب فيها الديكور تماما، وكان بالامكان على أقل تقدير، بثّ صور تبرز عادات وتقاليد مصرية تخدم سياحة هذا البلد في ليلته ولها علاقة بالملابس التي يلبسها الراقصون في تلك اللوحات الراقصة، لأنه في الواقع عندما تتغير الملابس يتغير الديكور، خدمة لرسالة اللوحة ولجماليتها، لكن ذلك لم يحصل في اللوحات المقدمة من فرقة رضا للفنون الشعبية التي تبدو فرقة هاوية. كما أنك عند مشاهدة هذه الفرقة تلمس تقشّفا كبيرا من ناحية، يمكن ان يكون معقولا اذا تعلق بأسباب مادية حيث أن المغنّي (رضا) لم تصاحبه فرقة موسيقية أو حتى عازف وحيد، واستعان بالتالي بالموسيقى المسجلة في أدائه المباشر لأغانيه، وتلمس أيضا ان هذا الفنان هو المسيّر لكل الفرقة دون تمكّن من التنسيق بين أفرادها لذلك كان دخول الراقصين غير مرتّب بالكيفية المطلوبة فلا تشعر بذلك التناسق الذي يجب أن يتوفر في مثل هذه العروض. ولولا خروج الراقصات بالجلباب المصري الاصيل في احدى اللوحات الراقصة، لخلت أن العرض ليس مصريا، ليبقى السؤال المطروح، «ما الذي جاءنا به العرض من مصر؟» أو «أين هي العادات والتقاليد والخصوصيات المصرية؟» واذا كانت هذه الفرقة محترفة وهي الأجمل في مصر في الفن الشعبي والاستعراضي طبعا فعلى الفن السلام. تراث مصري وفي الواقع لا تشعر بأنك في حضرة حفل مصري الا عند صعود ذلك الشاب الذي يلبس لباسا خاصا، هو بالاساس من الخصوصيات المصرية، ذلك اللباس التقليدي المحاط بدائرتين كبيرتين يتوسّطهما ذلك الشاب وبهما يدور في مكانه قرابة الربع ساعة من الزمن، بحرفية... كادت تسقط عندما سقط علم مصر من يده ولم ينتبه الى سقوطه تحت قدميه... في تلك الاثناء كان المصريون الحاضرون بالحفل في دهشة من أمرهم حتى أن أحدهم رفع يده الى الشاب الراقص لينبّهه الى الخطإ الكبير وغير المقصود الذي أتاه على علم بلاده، فانتبه الشاب الى خطئه، وأنهى دورانه بالانحناء أرضا لرفع علم مصر وتقبيله... الشيء الذي دفع الجمهور الحاضر الى التصفيق بحرارة على هذا المشهد. درويش يغنّي!! وخلافا لما راج، فإن الفنان «إيمان بحر درويش» قدّم مجموعة من الاغاني في الليلة السياحية المصرية بالمسرح البلدي وغنّى دون موسيقى فأطرب الحضور بصوته، وأنقذ الحفل بابتسامته وبكلامه فكان حلقة الوصل الرابطة بين فقرات العرض، حيث مثل صعوده الركح وأداؤه لمجموعة من الاغاني متنفسا أو فرصة للفرقة الموسيقية للفنان مدحت صالح حتى تقوم بتوظيب وتنظيم الركح عبر وضع الالات الموسيقية والميكروفونات في مكانها ليفسح درويش المجال لزميله «مدحت صالح» الذي أحيا الفقرة الثانية والاخيرة من الليلة السياحية المصرية بالمسرح البلدي بتونس. هذه الفقرة استمع فيها الجمهور الحاضر الى جديد الفنان مدحت صالح وقديمه من الاغاني، وقد علّق عديد الحاضرين على نقطة ايجابية مفادها ان هذا الفنان (مدحت صالح) لازال يحافظ على امكانياته الصوتية رغم تقدّمه في السن. ولكن ثمّة نقطة ايجابية أخرى ميّزت الحفل تتمثّل في الصوت، حيث لم نسمع بالمسرح البلدي صوتا كالذي استمع اليه الجميع في الليلة السياحية المصرية، والفضل في ذلك يعود الى أجهزة الصوت التي تبرّع بها الفنان ايمان بحر درويش للوفد المصري ولصديقه مدحت صالح، وهذه الحركة في حد ذاتها تدل على نبل درويش الصغير، وتكافل وتعاون الفنان المصري مع مواطنه خارج أرض الوطن.