حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي قبل الرئيس بورقيبة حزمة المقترحات لإصلاح حيني للتعليم، حيث بدأ الوزير الجديد (أحمد بن صالح) السنة الدراسية الجديدة 1968/1969 بجملة من الاجراءات والاحداثات سواء في مجال التعليم الابتدائي أو الثانوي أو العالي.. فسّر صاحب المذكرات في العدد الماضي كيف قدّم مقترح الوصول الى التعريب الصحيح بعد ربع قرن، أي بعد أن «نكوّن جيلا من المدرسين الذين يتقنون العربية والفرنسية معا.. وذلك انطلاقا من ذاك المسلك الذي أشرنا إليه في الحلقة الماضية، حيث يكون تدريس العربية حضارة وفلسفة ولغة، طوال سنوات التعليم العالي العلمي..». وأضاف «سي أحمد» بن صالح موضحا المسألة بعد كشفه النقاب عن أن بورقيبة قبل المقترحات وبدون تردّد.. بالقول: «فعلا أعلنت الرجوع الى تدريس الفرنسية من السنة الأولى على أساس أن برامج التعليم في كافة المدارس، نجعلها أقرب ما يكون من نظام المدرسة الصادقية. وفعلا رجعنا الى التعليم آنذاك بالفرنسية ابتداء من السنة الدراسية 68/69 وأدخلت اللغة الاسبانية في معهد خزندار.. وهنا، أذكر أنني اعتمدت تجربة أخرى، صدمت الكثيرين.. حيث نقلنا مجموعة من التلاميذ الذكور من خزندار الى معهد نهج الباشا للفتيات، ونقلنا مجموعة من التلميذات ب«نهج الباشا» الى معهد خزندار.. وتحوّل هذا القرار، موضوع ندوة في التلفزة الوطنية، حيث دعيت للمشاركة في برنامج هو عبارة عن ندوة تلفزية تناولت موضوع الاختلاط في المعاهد الثانوية.. واحتجّ عليّ بعض المشاركين ثائرا على هذا «الاختلاط» أي على التجربة بحد ذاتها وأذكر أنني أجبت عن هذا السؤال في الندوة التلفزية فقلت «هذا ليس اختلاطا.. إنما هو تكامل». سألت صاحب المذكّرات: كانت ظروفا صعبة، تلك التي مرّرت فيها مثل هذه الاجراءات؟ «ربّما.. ولكن كل الاقتراحات والاجراءات والاحداثات، في مجال التعليم، جاءت لتستجيب الى حاجة أكيدة.. فقد أصابتني صدمة، عندما أعلمني أساتذة كلية العلوم بأن طلبتهم لا يفهمونهم (لغة)..». قلت ل«سي أحمد»: ما هي الفلسفة التي تقف وراء هذا الاجراء: فرنسية منذ السنة الأولى ابتدائي، وعربية وفلسفة وحضارة ولغة، تدرّس بالجامعة، في كل المواد العلمية وغير العلمية؟ ابتسم ثم قال «هذا يعني، أنه ومهما كانت اللغة التي ستدرس بها، فإن عندك أصالتك، هذا الزاد الذي يُسمّى في مجال التجارة: رأس المال. هناك الأصالة بمعنى هويتك، التي يمكن من خلالها أن تدرس بأية لغة، ولا يمنعك من أن تعرف وتدرس الفلسفة العربية والحضارة العربية.. كانت هذه المسألة لو طبّقت، لأصبحت تونس مثالا وعبرة لكل البلدان الخارجة حديثا من نيّر الاستعمار..» وهنا ذكّر «سي أحمد» بأن أستاذه «سي محمد السويسي» هو من عيّنني في الأربعينات ولما كنت تلميذا في الصادقية، بأن أدرّس الفيزياء والكيمياء بالعربية، في المدرسة الخلدونية، وذلك قبل أن أذهب الي فرنسا لمواصلة تعليمي الجامعي.. ثم ان الكلية الزيتونية ذاتها، ما الذي كان ينقصها حتى لا تدخل لغات أخرى وتدرّس الفيزياء والرياضيات وتكون الانقليزية والفرنسية حاضرة؟ لا مانع حسب اعتقادي.. والتجربة التونسية في مجال التعليم، كانت محلّ اهتمام من «اليونسكو» UNESCO بحيث نصحت بالتجربة التونسية عددا من دول العالم الثالث.. فقد أعجبها الاصلاح.. فمثلا، أذكر أنني عينت أستاذا جامعيا في الرياضيات ومعه فريق من زملائه، لكي يراقبوا دراسة وتدريس الرياضيات من المرحلة الابتدائية (تعليم ابتدائي) الى المرحلة الجامعية.. وكنا سنقوم بالشيء نفسه، في بقية المواد العلمية، وقد آثرنا أن نبدأ بالرياضيات..». وهنا، فتح «صاحب المذكرات» قوسا ليكشف عن اسم الأستاذ «الباوندي» الذي كان على رأس فريق الأساتذة الذين يراقبون دراسة الرياضيات (من حيث البرامج ومحتوياتها) من الابتدائي الى الثانوي ليقول عن الأستاذ «الباوندي» ان «والده، وكنا صغارا، كان يقود مظاهرات حيث يهتف المتظاهرون ب«لا إله إلاّ اللّه».. وتكون مكتوبة على لافتات، للتعبير عن رفضهم للاستعمار الفرنسي..». فإلى حلقة قادمة، إن شاء اللّه..