أردت لعنوان محطتي هذه أن يكون بصيغة التساؤل؟ لقد تقصدت هذا لأنني كلما حضرت ندوة واستمعت الى مداخلات المباحثين فيها الا وانطلق هذا التساؤل الملح؟ تونسيا مثلا وأنا الشاهد والمساهم أردد: حتى متى تبقى منشورات دار هيئة المرجع الذي لا يتخطاه أغلب الباحثين؟ هل هذا ثقة بمن أوجد السلسلة المرجع واختار نصوصها وأوكل لمن يكتب مقدمات لها وفق تقليد طيب؟ لماذا تتكرر أسماء دون غيرها تنقذف هكذا أمامنا رغم أن الكتابة الروائية العربية قد مضت بعيدا عن هؤلاء وحققت منجزات مهمة وبمؤثرات أخرى فرضتها متغيرات كاسحة شملت الأرض العربية كلها وغيّرت من المفاهيم وأوجدت من الموضوعات ما لم يحظر ببال أحد، بل وتجاوزت المخيال العربي كله (من يتصور ان العراق سيتعرض لغزو فاق غزو المغول فدمره ونصّبه له حكاما جددا يأتمرون بأمر الغازي ولا يحركهم الضمير الوطني؟!) أوقل هذا مثلا. قبل سنوات كنت مدعوا لندوة الرواية العربية في قابس قبيل انتهاء الألفية الثانية وقد جئت وأنا أحمل معي شهادة عنونتها (الرواية العربية... تكريس الشائع؟ أم البحث عن النصّ المغيّب؟) وهي شهادة طويلة قرأت مجتزءا منها ثم نشرتها كاملة على حلقات في جريدة «الزمان» التي تصدد من لندن. ولا أكتمكم انني كنت مستفزّا من الكثير الذي سمعته حيث العودة المكروه لأسماء وروايات أشبعت بحثا ودراسة وعلى العين والرأس ولكن الرواية العربية لم تصب بالعقم ومازالت في أوج عطائها، فأين هم كتّابها المغيّبون؟ أظهروهم لنا أيها الباحثون المحترمون ودعوا فلانا وعلانا فمهما قلتم لن تضيفوا شيئا إلى ما قيل عنهم؟ أحد الأصدقاء سمّى هذا كسلا، وأن الباحث لا يفكر بما هو خارج أسوار مكتبته، ولا يدري ما الجديد الذي صدر، فإن دعي الى ندوة عاد الى المتوفر واستعان به وسيمضي كل شيء على ما يرام، فهناك روائيون متفق عليم، تحولوا إلى كلاسيكيات هادئة وهناك روائيون مختلف عليهم، وهم الأجدر بمغامرة البحث والكتابة؟ أتمنى أن أقرأ حتى عن رسائل تمضي أبعد من هذا أو ذاك. فالتجديد الروائي مغامرة فائزة وحازمة ومن كان مغرما بالقراءة والمتابعة سيحس بغليان الدماء الجديدة في الجسد الروائي العربي؟ لكن هناك نمطا من الباحثين يشتغل بطريقة أخرى، فهو يريد أن يضمن دعوته لهذا البلد العربي أو ذاك. فإن كان الشخص المؤثر في ذلك البلد روائيا، فإن المنافسة ستعلو في الكتابة عنه، وقد قرأنا مرة أن ثلاثة بحوث خرجت من تونس حول روائي واحد، وقد كتبت الصحف التونسية وقتها عن ذلك. إنني ألفت لبعض الباحثين فأعرف أن بحثهم يحمل رسائل إلى فلانة وفلان الذين هناك وبيدهم الدعوات، يقول مرسلها: أرأيتم؟ إنني أذكركم وأتذكركم. وقد سمعت |أسماء على أساس أنها أضافت فضحكت في سري، ولم أناقش من ذكرها، تركته يتحدث ليضمن دعوته في الندوة القادمة التي اعتاد ذلك البعد العربي تنظيمها. أقول: لدينا مدونة، ثرية، بل وثرية جدا، ،وأن من يريد إبعاد الشحوب والفقر عن بحثه عليه أن يعود الى فيتامينات هذه المدونة ويكف عن استهلاك مخزون سنام الجمل. وإذا كانت الكتابة والبحث مسؤولية علمية وأخلاقية معا فعلينا أن لا نجعل كتاباتنا رشاوى! ابحثوا عن النص المغيّب ولا تمضوا في تكريس الشائع الذي شبع تكريسا.