تمر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بأسوإ مرحلة في تاريخ العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، على خلفية تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتمسكه بالاستمرار في بناء المستوطنات في القدسالمحتلة واستخفافه بالمطالب الأمريكية الداعية لوقف الاستيطان، وأكثر من ذلك تعمد الحكومة الصهيونية إهانة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي زار إسرائيل مؤخرا لاخراج عملية السلام من جمودها. إهانة بايدن كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ودفعت الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الردّ على الإهانة الاسرائيلية الصاع صاعين، حين تعمد ترك ضيفه نتنياهو وحيدا في قاعة بالبيت الأبيض وحين جعل اللقاء معه باردا على خلاف العادة، فغابت الهالة الإعلامية المعتادة، وغابت المؤتمرات الصحفية الثنائية، وغادر الضيف ذليلا. والموقف الراهن بما هو عليه: إهانة بإهانة وتجاهل بتجاهل ولكن يظل التحالف بين واشنطن وتل أبيب على ما هو عليه ويظل الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل أولوية على أجندة العلاقات الثنائية. ومجمل القول إن الإهانات والتوترات لم تلغ التحالفات والصفقات، فعقب عودة نتنياهو أعلن عن صفقة عسكرية بين الطرفين، وأعلنت الخارجية الأمريكية أن أمن إسرائيل من أمن أمريكا. موقف فيه الكثير من المفارقات والتناقضات، لكنه يظل أساس العلاقات المحكومة بالمؤسسات لا بالأشخاص. وإذا كان نتنياهو بتصلبه في موقفه يمثل الاتجاه العام في إسرائيل أو على الأقل أكثر من نصف الاتجاه إذا استثنينا المتحفظين على سياسة نتنياهو (لا داعمين ولا معارضين)، فإن باراك أوباما الغاضب من سياسة حليفه لا يمكنه الخروج عن سياق ما ترسمه المؤسسة الأمريكية الحاكمة أو المنظمة لإدارة الحكم والعلاقات الخارجية. وحسب ما سرّب أمس من معلومات فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يرى في نتنياهو الاتجاه المعرقل لجهود أمريكا في دفع عملية السلام وبالتالي عبءا إضافيا للإدارة الأمريكية التي تواجه تحديات داخلية وضغوطا من قبل الجمهوريين. وذهبت بعض التقارير الصحفية الغربية إلى أبعد من ذلك حين تحدثت عن نيّة إدارة أوباما «الإطاحة» بحكومة نتنياهو اليمينية على أمل أن تتولى شخصية إسرائيلية أخرى أكثر «اعتدالا» زمام الأمور. وترى إدارة أوباما أيضا أن نتنياهو أصبح خطرا على المصالح الأمريكية في المنطقة، لكنه رأي لا يمثل الاتجاه السياسي العام في الولاياتالمتحدة. وفي المقابل ينظر نتنياهو إلى باراك أوباما بعين الريبة، وتتحسب حكومته لأي إجراء قد تقدم عليه الإدارة الأمريكية. الرئيس الأمريكي المثقل بهموم الداخل والملفات الدولية الساخنة خارجيا، والذي أطاح بأشد الإدارات الأمريكية تطرفا (إدارة بوش) يواجه اليوم إدارة إسرائيلية أشد تطرفا. ويدرك باراك أوباما أن سياسة نتنياهو ستضر بمصداقية إدارته التي وعدت بحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبدولة فلسطينية مستقلة، كما يدرك أن هذا الرجل (نتنياهو) استخف بالولاياتالمتحدة وصغّر من شأنها واستهان بهيبتها ومكانتها الدولية. غطرسة نتنياهو ليست مفاجئة، فالعالم اعتاد مثل هذا السلوك المرضي، أما الموقف الأمريكي فيعد أمرا غير معتاد، لكن هل يغيّر في واقع الأمر شيئا، أم أنها مجرد إهانة بإهانة ومناورة بمناورة ليبقى الوضع على ما هو عليه.