يوم السبت الماضي وبعد مائة يوم من فشل مفاوضات قمّة كوبنهاغن حول المناخ, اختار العالم... «العالم المتحضر» إطفاء النّور الكهربائي لمدّة ساعة كاملة ... المقترح كان نابعا من العاصمة الأسترالية سيدني بمبادرة تحت إسم «ستون دقيقة من أجل الكوكب», قام بها منذ أربع سنوات الصندوق العالمي للطبيعة World Wide Fund for Nature كرسالة للعالم كله, للعالم قاطبة لإطفاء الأنوار في العواصم العالمية الكبرى, كإشارة إنسانية لتحسيس سكان هذه «البرتقالة الزرقاء» بآلامها من الاحتباس الحراري المنذر بكوارثه البيئية و دمار الحياة ... ساعة من الانقطاع عن استهلاك الطاقة لتحسيس البشرية بالخطر القريب و بالقيامة المرتقبة لما يعيشه مناخ الكرة الأرضية من خراب ... ساعة للتفكير في مستقبل هذه الكرة الأرضية . القنوات التلفزيونية نقلت الخبر, وشاهدنا لعبة إطفاء الأنوار في العواصم العالمية الكبرى, وتحديدا في إضاءة المعالم الشّهيرة, كبرج إيفل, أوبيرا سيدني, وبرج دبي, وبوابة دلهي بالهند, ومعبد الأكروبول بأثينا, وبرج طوكيو باليابان, الأنفيتيياتر بروما, والأهرام في الجيزة ومكتبة الإسكندرية, و القصر الإمبراطوري في الصّين, وساعة بيغ بان في لندن, وغيرها من المعالم في عواصم العالم... كان مشهد إطفاء الأنوار عبارة عن لعبة أضواء شاهدها الناس ربما بمتعة سياحية لا تخلو من نفاق و سخرية وفضول... وفي ذلك كله أطفئت أنوار ناطحة السحاب المعروفة ب Empire State Building في نيويورك شاهده الأمريكان دون هلع أو فزع, بالرّغم من أن الإدارة الأمريكية غير معنية أصلا بهذا الموضوع. موضوع البيئة و المناخ, وهي كما هو معروف لم توقع على اتفاقية كويوتو حول الحفاظ على البيئة والحدّ من الاحتباس الحراري , لكن « مفكروها» في هوليود منهمكون في كتابة سيناريوهات لأفلام كوارثية , لعلّ آخرها الشّريط الذي يتناول يوم القيامة عام 2012. هذه الحركة الطقوسية الرّمزية التي قامت بها عواصم العالم في الانقطاع ستين دقيقة على استهلاك الطاقة, قد يعد حركة نبيلة للتعاطف الإستيهامي بمستقبل الإنسانية على هذا الكوكب, لكنه بنفس الدرجة الرّمزية تظل حركة فلكلورية سطحية فيها الكثير من الرّياء و النفاق... ذلك أن هذه الساعة من الظلام التي لفت عواصم العالم, ما كانت لتكون ساعة ليقظة الضمير الإنساني, حول الظلام الدامس الحقيقي الذي تعيشه شعوب العالم المغلوبة على أمرها في هذا الزمن العولمي الباذخ والتكنولوجي الشرس, سواء كان هذا الظلام ظلام الحرمان من المعرفة و الكرامة الإنسانية والغذاء والصحة... دون أن ننسى ظلام الحروب و الغزو, فثمة مدن محتفلة بالبيئة منذ سنوات محرومة من النور الكهربائي, مدن في العراق, وبيروت وقرى الجنوب في لبنان و مدينة غزة التي تمثل أكبر نسبة من الكثافة السكانية في كلم المربع الواحد في العالم, دون الحديث عن الظلام الدامس في أفغانستان . فقهاء ساعة الظلام هؤلاء الذين أقنعوا العواصم العالمية بالانقطاع عن استهلاك الطاقة في المعالم السياحية , هل لديهم القدرة على إقناع حكومات هذه العواصم الكبرى, بأن تتوقف مصانعهم الثقيلة عن العمل ساعة واحدة؟ هل بإمكان ساعة واحدة من الانقطاع عن استهلاك الطاقة سياحيا أن يشكل رسالة تحسيس لهؤلاء الذين أمعنوا في استعباد البشرية؟ إن هذه المبادرة ليست إلا شكلا من أشكال حيلة الهيمنة في أكثر ظواهر الحداثة , إنها كما يقول أدرنوAdorno استنساخ لطقسية ذبح الضحية أو التخفيف من شعور الذابحين بالذنب... إنها استنساخ للنفاق في أجمل صوره الإنسانوية والكونية . في اللاّوعي الباطني لهذه الحركة الطقوسية, تأتي ساعة إطفاء الأنوار في المساء و يوم السّبت . هل هو فائض منفلت من الإقتصاد للسّياسي الدلالة ... لعلها ساعة لكي لا ترى الحقيقة...