حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي بعد أقل من ساعة تقريبا، هو زمن التحقيق الذي خضع له صاحب المذكّرات، أغلق ملف التحقيق.. (إلى اليوم).. مازال «سي أحمد» يتساءل: كيف تقام محاكمة على أساس ملف تحقيق منقوص ومنحصر في الزمن: أقل من ساعة كما قلنا.. إذن بعد هذا الأمر، يواصل «سي أحمد» قوله: «أعود ثانية إلى رجال القانون، وأقول إنّ كل الذي وقع.. (محاكمة) كان بعد تلك السّويعة من التحقيق.. بينما وقعت تحقيقات مع موظفين.. لا أدري كم كان عددهم.. وعلمت أنه أُريد منهم حسب ما فهمنا جميعا أن «يلطّخوا» سلوك وزيرهم السابق (بن صالح) وأظن أنهم لم ينجحوا في ذلك.. كما لم ينجح أحدهم في الحكومة، وأولهم في نفس الوقت، عندما دعا مدير التخطيط الصادق بحرون وقال له (أحد أعضاء الحكومة)، إنّ أحمد بن صالح طلب منكم تزييف أرقام الاحصائيات، فاكتب رسالة واشهد بذلك.. ارتبك المرحوم بحرون ورفض، وبكى رافضا.. ثم تزايدت الضغوطات عليه، ضغوط معنوية وتهديدات.. فكتب ما طُلب منه.. وعندما خرج من مكتب هذا السيد المسؤول في الحكومة، عمد الى اللجوء إلى أحد أبناء بلدته، وهو مهندس فلاحي موجود الآن، حفظه الله، ليبثّه شجونه، ممّا أجبر على فعله.. في ذلك اليوم.. والذي يُثلج الفؤاد، هو أنه أثناء جلسات المحكمة التي اتّهمت بالعليا (المحكمة العليا) أرسل الصادق بحرون رسالة ليسفّه رسالته الأولى التي كتبها تحت التهديد والضغط المعروف... طبعا، المحكمة وما أدراك ما المحكمة، لم تشرْ الى هذه الرسالة الثانية، والتي تبرّأ فيها صاحبها ممّا نُسب إليه». وهنا يضيف «سي أحمد» بن صالح: لقد اكتفى حاكم التحقيق بالمحادثة التي ذكرتها.. وعلى أساسها بُنيت التهمة: الخيانة العظمى.. وهنا سألت: «سي أحمد»، كيف كان آمر السجن، بعد التحقيق؟ فقال: خرجت من التحقيق الذي لم يدم طويلا.. فأخذوني الى السجن.. عندما وصلت الى السجن، بدأوا ينزعون لي أدباشي، الساعة اليدوية والقلم والأوراق كما هي العادة، في مثل هذه الحالات.. كان هناك باب مفتوح وفي الغرفة المفتوح بابها ثلاث أو أربع من كبار الموظفين بالداخلية، لا أدري إن كانوا قد جاؤوا للفرجة أم للتعليمات.. جاءني رئيس الحرّاس صالح البدوي وأعطاني على راحتيه لباس السجين.. قلت له: لا.. فتقدم مني قليلا، وعلى راحتيه لباس السجن دائما.. فصحت في وجهه: لن أقبل.. فسأبقى بملابسي المدنية.. التفت الرجل ناحية «أمراء» الداخلية، وكنت أراهم من الباب المفتوح، فأشاروا عليه بنعم أن اتركه.. بحركة بالرأس.. ودخلت الزنزانة بلباسي العادي.. والحقيقة هي ليست زنزانة، كانت تقريبا ربع السجن.. كانت الساحة كبيرة.. وأعطوني مكانا فيه غرفتان بينهما باب.. وذاك الباب، كانت تنهشه الفئران فتحدث صوتا، فما كان مني إلا أن أقمت زوبعة، ففتحوا الباب على الغرفتين..». قلت ل«سي أحمد» سائلة: كيف قضيت أول ليلة في السجن؟ قال: «نمت كما لم أنم أبدا.. وقد حدّثني الحراس فيما بعد، أنهم لم يناموا لأن عندهم تعليمات بأن يحرسوني جيدا.. وقد يكونوا قد سمعوا ممّن كلّفوهم بحراستي، أن (بن صالح) قد «هبط» «من فوق.. ياسر» وكانوا يخافون من أن أقدم على الانتحار.. لذلك كان الحرّاس يمرّرون أيديهم على الحائط، حتى إذا ما عثروا على مسمار أو شيء مشابه يمكن أن أستعلمه للانتحار.. والشيء الذي زاد في خوفهم (الحرّاس) هو أنني نمت نوما عميقا، ولم أرفع الغطاء عن رأسي ووجهي وكامل جسمي طوال الليل.. والذي رأيته طوال النهار من تحقيق وغيره ذهب..». وأضاف صاحب المذكّرات: «أول حدث وقع لي، صباح أول يوم في السجن كان في الصباح مبكّرا، إذ دخل عليّ إنسان في سن متقدمة نوعا ما.. والحارس الذي معه، طلب منه أن يبقى خارج الزنزانة.. «سلم عليّ» هذا القادم، وقال لي: «أنا محمد القابسي عندما كنت كاتبا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل كنت أنا كاتبا عاما لنقابة حراس السجون.. إذن، أنت يا سي أحمد رئيسي وأنت زعيمي..»، وكان القابسي هو رئيس الحراس المكلّفين بأحمد بن صالح وأصبح مكلّفا بي.. شكرته، ولا أنسى أنني عندما عدت من المنفى في 1988، سألت عنه وأردت زيارته، لكن رحمه للّه وجدته قد توفي.. فقد كان ودودا وطيّبا.. فتحيتي الأخوية الى عائلته أينما كانت». وبدأت، يقول سي أحمد، رحلة الكفاح في السجن.. كيف.. ومتى.. ولماذا؟ هذا ما سنراه لاحقا بإن اللّه.