حالة التردّد والتكتّم الّتي تجتاحُ جلّ أحزاب المعارضة حول حقيقة استعدادها وحجم مشاركتها المنتظر في الانتخابات البلدية المقبلة يطرح عديد الاستفسارات حول النمط المرتقب تحقّقه على مستوى المجالس البلدية المقبلة والقدرة على تنمية واقع الديمقراطية المحلية والمرور به إلى آفاق جديدة. ومن مفارقات الانتخابات البلدية أنّها تكرّس فارقا بيّنا بين التجمّع الدستوري الديمقراطي وسائر الأحزاب المنافسة، فارق يُوجد فائضا بالآلاف للحزب الحاكم عن نصاب المشاركة في كلّ الدوائر والّتي تتطلّب ضبطا لحوالي 4 آلاف و500 اسم وفي المقابل فهو يوجد حالة من «الرعب» و«الرهبة» لدى بقية الأحزاب الّتي حتى وإن جابت البلاد طولا وعرضا فهي لن تقدر بحالتها التنظيميّة الراهنة وبمسائل موضوعية أخرى مرتبطة بمحدودية تطوّر الثقافة التعدّدية في الجهات الداخلية والمناطق النائية على تغطية كلّ الدوائر حتّى وإن شكّلت جميعها ومع الأطياف المستقلة قائمات موحّدة. وفي انتظار ما سيُعلنُ عنهُ الحزب الحاكم من معطيات ومؤشرات حول الرهان التنافسي داخل هياكله وبين مناضليه وبالعودة إلى انتخابات 8 ماي 2005 فقد بادر التجمع الدستوري الديمقراطي حينها بتنظيم انتخابات تمهيدية لانتخاب ثلثي مرشحيه وبلغ عدد المترشحين 7228 أي أكثر من 2,4 % لكل مقعد. وتذهبُ الترجيحات إلى تأكيد مشاركات محدودة لجلّ أحزاب المعارضة، مشاركات قد لا تتجاوز البعض من العشرات من القائمات لأهمّ حزبين سياسيين حاليا من حيث الامتداد الجماهيري وعراقة تقاليد المشاركة الحزبية في الانتخابات وهما حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية الّتي تؤشّر كلّ المعطيات على ضمانهما لعدد محترم من القائمات مقارنة بسائر الأحزاب مع انتظار أن تحقّق الشعبية نوعا من التميّز نظرا لحالة الألفة والانسجام داخل مختلف هياكلها وقدرة أمينها العام على إدارة مختلف التجاذبات حتى تلك البليغة الّتي أعقبت تشريعية 2009 في حين ستُواصل ح د ش استثمار رصيدها العريق على مستوى الفعل المعارض في تونس. ويؤكّد متابعون للشأن السياسي والحزبي في تونس أنّ عدد قائمات أحزاب المعارضة والمستقلين خلال هذا الموعد الانتخابي مجتمعة سيكون أقلّ بكثير من مجموع عدد الدوائر الانتخابية نفسها، مع توقّع ارتفاع عدد تلك القائمات مقارنة بالانتخابات السابقة نظرا لبعض الاستعدادات الجدية لبعض الأحزاب وكذلك لارتفاع عدد الأحزاب المشاركة هذا العام بعد تأكّد مشاركة التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وحركة التجديد ودخول حزب الخضر للتقدّم أوّل رهان انتخابي بلدي له. رهانات ومؤشرات وبالمقارنة مع انتخابات 2005 فإنّ عدد الدوائر الانتخابية سيكُون ممثلا هذه السنة ب264 دائرة ممّا سيجعل من إجراء عمليات مقارنة وتقييم في أعقاب الانتخابات المنتظرة يوم 9 ماي المقبل ممكنة على نحو دقيق خاصة في توضيح معالم الحراك الّذي شهدتهُ مختلف الأحزاب بين الموعدين الانتخابيين والقدرة على ضمان المحافظة على رصيد الترشحات المسجلّة سنة 2005 ومدى توزّع الأحزاب ومناضليها على مختلف جهات البلاد، علما وأنّه وفي الوقت الّذي شارك فيه الحزب الحاكم في جميع الدوائر الانتخابية فقد حصلت 87 قائمة للمعارضة على الوصل النهائي موزّعة على حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في الصدارة ب31 وصلا (تونس والمرسى ورواد وحمام الأنف ورادس وبومهل البساتين وبنزرت ونابل ودار شعبان الفهري وبني خيار والصمعة وباجة وجندوبة والقيروان والوسلاتية والسواسي وفوسانة والسند والقصر وتوزر ودقاش وحامة الجريد وصفاقس وساقية الزيت والعين وطينة ومدنين وحومة السوق و أجيم وبن قردان وقبلي)، أمّا حزب الوحدة الشعبية فقد حاز على 30 وصلا نهائيا (تونس وباردو ومنوبة وحمام الأنف ومنزل بورقيبة وماطر، ونابل وقرمبالية والزريبة ومجاز الباب وجندوبة والقيروان وحفوز وسوسة ومساكن والقلعة الكبرى وبني حسان وفريانة وتالة وسيدي بوزيد وجلمة وقفصة وأم العرائس والمظيلة وصفاقس والشيحية وطيبة والحامة والمطوية وحومة السوق)، أمّا الاتحاد الديمقراطي الوحدوي فقد حصل على مشاركة في 19 دائرة انتخابية بلدية (تونس وأريانة ورواد والدندان وبومهل البساتين ومنزل عبد الرحمان والكاف وجندوبة والسواسي والقصرين وفوسانة وسيدي بوزيد وأم العرائس والقصر وصفاقس وجبنيانة والصخيرة والحامة وجرجيس)، من جهته تمكّن الحزب الاجتماعي التحرري من المشاركة في 7 دوائر (تونس والكرم وتاجروين وقفصة والمظيلة والقصر وعقارب)، في الوقت الّذي حصلت فيه قائمة مستقلة وحيدة على الوصل النهائي بالدائرة الانتخابية بالحمامات. ترقّبات وانتظارات ترقبات 2010 ترسمُ ربّما ملامح جديدة للخارطة السياسية والحزبية ليس في علاقة بموازين القوى بين الحزب الحاكم وسائر المنافسين فالهيمنة ستظلّ على حالها ولكن من ناحية معرفة أحجام الأحزاب المعارضة وقياس درجة إشعاعها، خاصة في ظلّ تغيّرات عرفتها تلك الساحة في انتخابات 2009 الأخيرة بالتقدّم الملحوظ على مستوى المقاعد البرلمانية لكلّ من الحزب الاجتماعي التحرري وحزب الخضر للتقدّم هذا مع الانتظارات الموجودة هذه السنة بخصوص مآل مبادرة «القائمات الوطنية» الّتي ستتشكّل من حول حركة التجديد والتكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وقدرتها على تحقيق أهدافها في استقطاب الكفاءات والقوى الديمقراطية والتقدميّة في البلاد مع الانتظارات الموجودة بخصوص ما تمّ الإفصاح عنهُ من قبل بعض المستقلين بالدخول للسباق البلدي المقبل.3