يتواصل هذه الأيام بالعاصمة عرض الشريط الوثائقي «كان يا ما كان في هذا الزمان» للمخرج هشام بن عمّار. الشريط عُرض في افتتاح فعاليات الدورة الخامسة للقاءات الدولية للفيلم الوثائقي بتونس من 1 الى 4 أفريل الجاري ولقي تفاعلا جماهيريا قلّ نظيره وقد وقعت دعوته رسميا للمشاركة في أكثر من تظاهرة عالمية على غرار مسابقة الأفلام الوثائقية في مونيخ بألمانيا في ماي 2010 ومهرجان للسينما الوثائقية في اليونان في ديسمبر من نفس السنة كما علمنا ان تحقيقات بالجملة لوسائل اعلام عربية وأجنبية (الجزيرة، الحرة، م ب س، رويتر...) تجري هذه الايام عن الفيلم وشخصياته. «كان يا ما كان في هذا الزمان» عرض مسيرة الفتى التونسي أنس الرمضاني الموهوب في العزف على آلة الكمان والذي يدرس حاليا في معهد عالميّ مختص في لندن... خفايا كثيرة من مسيرة أنس وأخبار عن الشريط بعضها يُنشر لأول مرّة تعرضها عليكم الشروق: منذ جويلية من سنة 2006 أي في بدايات تجلّي نبوغ الطفل أنس الرمضاني بادر سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الى إهداء الفتى جهاز كمبيوتر من أعلى طراز يحثه على مزيد التألق الهدية وصلت الى أنس عن طريق وزارة الثقافة... وفي فيفري 2007 يتقبّل الطفل الموهوب رسالة رئاسية سامية تشجّعه على المضيّ قدما في طريق التميّز والبروز... اهتمام رئاسي كان له أبلغ الاثر في شحذ همّة الفتى وفي اصرار عائلته على الاعتناء بالابن الذي بلغ صدى نبوغه الى سيادة الرئيس واهتم بتشجيعه. غير بعيد عن هذا لم تتخلّف شخصيات وطنية بارزة في النسج على منوال رئاسة الجمهورية... المرحوم الحبيب بورقيبة الابن حضر صدفة عرضا موسيقيا في قصر العبدلية عزف أثناءه أنس الرمضاني على آلة الكمان بعض المقطوعات الموسيقية فأعجب بعزف الفتى أيّما اعجاب وانخرط في تسهيل سفره للدراسة في لندن. ملحمة في المسرح البلدي سنفونية تونسية انسانية في أعلى مستوى تواصلت يوم افتتاح فعاليات اللقاءات الدولية للفيلم الوثائقي حيث تحوّلت فجأة كل أرجاء المسرح البلدي بالعاصمة ودون مبالغة الى ما يشبه «الملحمة الوجدانية الغنائية الاجتماعية». السيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة كان حاضرا ورابط في المسرح مدّة تزيد عن الساعتين تابع شريط «كان يا ما كان في هذا الزمان» حتى النهاية وبعض التعليقات بعد مغادرته المكان عن عدم نزوله الى الركح لمصافحة أصحاب الشريط لم تفسد للودّ قضيّة بل أضفت على السياق العام مسحة ديمقراطية جميلة وكشفت حينها عن سعة صدر المؤسسة الثقافية الرسمية على نحو ربّما لم يكن مُتاحا في الماضي القريب... السيّدة سهام بلخوجة مديرة الملتقى أعلنت في الإبّان أن السيد الوزير كان قد قرّر سلفا استقبال عائلة الفيلم في مكتبه لتهنئتهم بالنجاح. سنفونية تونسية متعددة الابعاد والأصوات كرّسها الجمهور الحاضر الذي إلتزم مقاعده كما التزم الصمت طيلة العرض ولم يتمالك نفسه عن صيحات الاعجاب والتصفيق والتشجيع مع نهاية الشريط على الشاشة الكبيرة لتتواصل الفرجة على الركح هذه المرّة فيبتدئ أنس بالعزف الحي المباشر على آلة الكمان ويثير موجة من التصفيق عمّت الأنحاء... وصعدت العائلة على الركح تلك التي كانت للتو صورا على الشاشة الكبيرة فيتحقق التواصل المباشر حميما عبر الحوار مع الجمهور الحاضر... وعلى هذا النحو تحوّل المسرح البلدي بالعاصمة بجميع أرجائه الى ركح كبير في فعل ابداعي وجداني جديد بصيغة بريشتية عفوية.. الشريط من صميم المعيش فرجة داخل فرجة أتاحها دون شك مضمون فيلم «كان يا ما كان في هذا الزمان» وطريقة اخراجه، فأنس الرمضاني بطل الشريط وعائلته لم تأت من عوالم ومناخات بعيدة عن التونسي العادي والمشاهد التي عرضها الفيلم تضرب في صميم الواقع الاجتماعي التونسي المعيش، مشاهد عفوية لشخصيات تعيش معنا وضمننا نصادفها يوميا وأحاديث تلقائية هي خطاباتنا المألوفة بعمقها حينا وسذاجتها وطرافتها كل هذا عرض دون رتوش وتعقيدات تقنية على نحو جعل المشاهد يجد انه يمثله حقا وجعل كل الحاضرين والحاضرات يحسون أن أنس هو ابنهم وأخوهم قريبهم هو ببساطة واحد منهم .. ولعل هذا مما يفسر انشداد كل الجمهور الحاضر الى الشريط دون ملل من بدايته الى نهايته وما يفسر تلك الدموع التي تساقطت على اكثر من وجنة وسترها لحسن حظ المتحرجين الظلام عند العرض، لعل هذا مما يفسر ملحمة الجمهور وشريط «كان يا ما كان في هذا الزمان» أثناء العرض وبعده في تجليات واضحة للنجاح ... على جناحي الألم والأمل أخيرا : لا نعتقد ان شركة الخطوط الجوية التونسية يمكن ان تغرد خارج السرب خارج هذه الملحمة التونسية... أنس الرمضاني يواصل الآن دراسته بلندن وتكفلت الحكومة البريطانية لتألقه بجانب هام من مصاريف دراسته، نظام الدراسة هناك يفرض على التلاميذ مغادرة مدارسهم ومبيتاتهم والركون الى الراحة والعطلة أسبوعا أو ثلاثة أسابيع، دوريا بعد كل ستة أسابيع من الدراسة ... ووالد أنس عبد الرؤوف الرمضاني يصر على أن يقظي ابنه هذه العطل في وطنه تونس درءا لاغترابه عنها وتكريسا لحس انتمائه الى هذه البلاد العزيزة والى محيطه الطبيعي فيها .. لكن تكاليف السفرات الست في السنة أرهقت ماليا العائلة فالتمست من الخطوط الجوية التونسية عبر مطلب مدجج بالوثائق صيغة ممكنة للتخفيف من وطأة التكاليف .. لكن رد الشركة الوطنية كان باهتا جدا .. بريد الكتروني باسم موظفة هناك لا يحمل امضاء ولا ختما رسميا يعلم بكل بساطة بعدم امكانية قبول الطلب !!! المسألة مريبة حقا وتطرح اكثر من سؤال و تحتاج الى اكثر من اعادة نظر.