... على إيقاع الترمبون والكمان، والسعي وراء الأحلام... يلتقي الأب بابنه في حوار الفن والإبداع لتتناغم الارواح ويحصل الانسجام وتنتهي مرارة الفشل... هكذا أراد الأب عبد الرؤوف ان يصنع من ابنه مرآة لذاته وهكذا استطاع المخرج هشام بن عمار ان ينفذ داخل تلك الشخوص التي التقاها الجمهور مساء أمس الأول من خلال الشريط الوثائقي «كان يا مكان في هذا الزمان» وفي افتتاح الدورة الخامسة للقاءات الدولية للفيلم الوثائقي بتونس بالمسرح البلدي بتونس العاصمة تحت إدارة سهام بلخوجة. جمهور الافتتاح كان في الموعد لتعجّ به قاعة المسرح البلدي الذي بدا متألقا كعادته مرتديا أبهى حلّته... مفتخرا بعراقته... وهو يستقبل زوّاره ورغم الاكتظاظ الذي حصل في البداية أمام المسرح وغضب بعض الجمهور لعدم حصولهم على مقاعد إلا انه سرعان ما سيطر المنظّمون على الوضع وساد النظام وقدّمت السيدة سهام بلخوجة والمخرج هشام بن عمار (المدير الفني لهذه الدورة) أفلام هذه الدورة والبلدان المنتمية إليها وقاعات العرض ثم فسحا المجال لعرض الشريط بحضور أبطاله. لقاء «كان يا مكان في هذا الزمان» مدّة عرضه 85 دقيقة تم التصوير بين تونس وباريس وبروكسال ولندن وقد كشف هذا الشريط الوثائقي للجمهور عن أهمية التحدي والسعي وراء تحقيق الأحلام في جوّ عائلي متماسك وأب مثالي يبحث عن ذاته في شخص ابنه وابن مطيع موهوب وفنان يعشق الكمان حدّ النخاع. هو أنس الرمضاني (12 سنة) نشأ في حي قلّما اعتبرت فيه الموسيقى الكلاسيكية شكلا من أشكال التعبير، على عكس والده عبد الرؤوف الرمضاني الذي ينتمي إلى وسط شعبي وكان من أحباء الترمبون غير انه لم يتمكن من تحقيق حلمه ليصبح عازفا منفردا وهو ما دفعه ليثأر من قدره عن طريق ابنه... ومن ثمة بدأت رحلة أنس مع الكمان فاجتاز المناظرات واعترضت مسيرته الكثير من العقبات وخاصة المادية منها وكان والده يدعمه... وكان أنس يكبر والموسيقى تكبر في داخله ... والحلم يتحقق لوالده... وليلتقي الترمبون بالكمان في حوار موسيقي بين أنس وعبد الرؤوف. أنس على خشبة المسرح انتهى الشريط ليظهر انس على خشبة المسرح والكمان في يده حتى يكمل معزوفته التي بدأها منذ حين... فصفّق الجمهور طويلا لأنس المبدع، ولعبد الرؤوف الوالد المثالي وللعائلة المتماسكة الحالمة وللمخرج هشام بن عمار الذي قدّم لنا أجمل صورة عن أسرة تونسية مناضلة... تعشق الفن وتحيا من أجل الحلم... هذا الشريط الوثائقي «كان يا مكان في هذا الزمان» ربّما سيغيّر الفكرة السائدة لدى البعض عن الأشرطة الوثائقية التي طالما اعتبرها البعض أقل قيمة من الفيلم الروائي..