تحدّثت السيدة بوراوية صدام الحنيني ل «الشروق» عن مسيرة نضال متواصل ناهزت 55 سنة وتوزّعت بين المساهمة في مساعدة «الفلاّقة» بفتح منزلها لاحتضانهم وتغذيتهم والانخراط في العمل المنظماتي من خلال اتحاد المرأة للخروج بالمرأة التونسية من الجهل والتخلّف. وقالت بوراوية ان بورقيبة كان في خضم كل هذا مدعّما لها ومعترفا بجهودها. وعلى خلفية الاحتفال بذكرى وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة إلتقينا السيدة بوراوية على هامش المؤتمر الوطني الثالث عشر لاتحاد المرأة فكان الحديث مطوّلا وسوف نسعى لاختزاله لمدّكم بأبرز ما جاء فيه مع الحفاظ على ما يهمّ الذاكرة الوطنية. السيدة بوراوية من مواليد 1930 حسب بطاقة التعريف الوطنية وسنة 1935 حسب التاريخ الحقيقي للولادة هي أصيلة مدينة صفاقس حيث درست الى حدّ السنة السادسة ابتدائي ثم انتقلت الى منزل شاكر بنفس الولاية بعد ان تزوّجت برئيس فرع الشركة التونسية لتوزيع المياه «الصوناد» بنفس المنطقة. كان آنذاك عمرها 15 سنة وتقطن في منطقة قريبة من الجبال التي تمثل بالنسبة ل «الفلاّڤة» الملجأ الأكثر أمانا من جيش المستعمر الفرنسي من جهة وعيون الوشاة الذين ينقلون المعلومة الى المستعمر من جهة أخرى. وعن ملامح «الفلاّڤة» والرسالة التي كانوا يريدون ابلاغها قالت: «السيدة بوراوية لقد كانوا يرتدون اللباس العربي كالبرنس والجبّة والسروال العربي وكان بعضهم يرتدي كسوة ولكن مهترئة وقديمة». وأضافت ان «الفلاّڤة» يلجؤون الى منزلي لأني قريبة من الجبل حيث مأواهم الاصلي وكان زوجي رحمه الله يؤمن بالنضال في سبيل الوطن ويشارك في اجتماعات الوطنيين زمن الاستعمار. و «الفلاّڤة» هم مجموعة أشخاص نذروا حياتهم للدفاع عن تونس وكانوا دائما في لقائهم بالناس يوجهون رسالة واحدة هي «يا ناس فيقوا على رواحكم» إن الاستعمار يسلب حرياتكم ومستقبل أطفالكم ولابدّ من الوقوف يدا واحدة في وجهه. وعن سبب لجوء «الفلاّڤة» الى منزلها رغم ان الجبال تأويهم قالت: «هم يأتون إلينا للتزوّد بالأكل والماء ثم يعودون الى الجبال وهذا دفعني في الكثير من المرات الى منحهم عشاء أولادي كله ومنح اولادي الخبز والقهوة لسدّ رمق الجوع قبل النوم. كما كنت أتولى غسل ملابسهم». وأشارت الى أن ابن سلفها (أخ زوجها) أيضا يسكن قريبا من الجبل ويستقبل عناصر «الفلاّڤة» لتقديم المؤونة والعون لهم. ردّة فعل فرنسا الجيش الفرنسي حينها لم يكن غافلا عمّا يجري فقد كان يعلم ان منزل السيدة بوراوية يرتاده «الفلاّڤة» من حين لآخر لكنهم لم يتمكّنوا من ضبطهم هناك عند زياراتهم لها. وفي احدى المرات وهم بصدد القيام بزيارات فجئية وجدوا ابن سلفها بالمنزل فقادهم الشك الى أنه احد «الفلاّڤة». ولما قالت لهم انه قريب ومن العائلة فتحوا إصبعه وأخذوا دمه ودم عمه للقيام بالتحليل والتأكد من قرابته له. وفي تلك الفترة كانت تناضل أيضا صلب المنظمة النسائية من خلال الانخراط في الأنشطة ومتابعة تطوّرات الأحداث. وكانت تساهم في توزيع المناشير وتنظيم قافلات توعية وتحسيس وتقديم مساعدات كما كانت حريصة بالتعاون مع مجموعة من النساء على مراقبة «بيّوعة» الاستعمار. ومع بورقيبة كانت تتابع مسيرة نضاله وتواصلت العلاقة الى أن أصبحت وطيدة الى حد كبير بعد الاستقلال حيث كان يزور قصر الهناء بمنزل شاكر مرّة في السنة ويقضّي عطلة تتراوح بين 15 و20 يوما. «حجّة» السيدة بوراوية قالت: «بورقيبة كان رجلا بأتم معنى الكلمة، حنونا وعطوفا ويدافع عن حقوق المرأة وكان يحرص عند زيارته للقصر بمنزل شاكر على زيارة كل المنازل بالريف والوقوف عند النقائص وإعطاء توصية بدعم الجهة ورعايتها كما كان حريصا على الالتقاء بها والتعرف على شواغل المرأة من خلالها. ومنذ سنة 1956 تحصلت على اشتراك باتحاد المرأة ونشطت كعضو ثم تقلّدت بعض المسؤوليات وقدّمت حسب رأيها الكثير للمرأة الريفية من خلال تعليمها الزربية وبعض الحرف الأخرى وحثّها على العمل التضامني فكان اليتيم هو الشغل الشاغل والفقير هو أخ لكل الناس. النضال المتواصل أفرز حبّ بورقيبة واحترامه لها فلم يتوان عند تكريمها عن إعطاء الاذن لمسؤولي الجهة المحليين بارسال السيدة بوراوية الى الحج وفي «طائرة خاصة ان لزم الامر» والكلام لبورقيبة. كما منحها بطاقة عبور الى القصر الرئاسي لييسّر دخولها إليه كلما أرادت ذلك. وأفادت في نفس السياق انه كان حريصا على مساهمتها في إحياء ذكرى ميلاده عبر الشبيبة التي أطرتها وحدث ان تغيّبت في الذكرى الأخيرة قبل وفاته فطلب من الوالي إحضارها وارسال حافلة خاصة لنقلهم ثم أكد على ان تواصل السهرة هي والفتيات وتناول العشاء. هكذا كانت مسيرة بوراوية المناضلة ولكنها تعترف انها وجدت الاطار الملائم والمساندة من الرجل انطلاقا من أعلى هرم في السلطة سواء في عهد بورقيبة او عهد التغيير مرورا بالسلط المحلية. وشكرت النائبة الجهوية حليمة شعبوني ومن خلالها جميع النساء المناضلات صلب الاتحاد وكذلك الماجدة وسيلة بورقيبة سابقا والسيدة ليلى بن علي حاليا التي ساهمت في النهوض بوضع المرأة التونسية والعربية عموما.