كان من ضمن المباحث والندوات المنظمة في نطاق النشاط الثقافي الموجه للطفولة ضمن معرض صفاقس لكتاب الطفل يوم دراسي حول الحكاية المروية للأطفال. لقد كان من ضمن الثوابت التي اختارتها جمعية معرض صفاقس لكتاب الطفل، إدراج الحكاية المروية للأطفال. لقد كان من ضمن الثوابت التي اختارتها جمعية معرض صفاقس لكتاب الطفل، إدراج الحكاية كمادة تنشيطية وقد جلس إلى الأطفال ليحكي لهم العديد من الكتاب والمسرحيين والحكواتية، يروون على مسامعهم قصصا وخرافات وأساطير ونوادر وحكايات تشدهم وتمتعهم وتكون معبرا لهم ليدخلوا عالم المكتوب، فتراهم يقبلون على الكتابة برغبة أكثر باحثين عن المتعة التي عاشوها أثناء استماعهم إلى الراوي أو السارد القارئ... لكن في هذه الدورة السابعة عشرة لم تعد الحكاية مجرد نشاط ترفيهي أو تحسيسي بل صارت هدفا بعينه ونشاطا مستقلا بذاته وعندما نقول الحكاية هنا نقصد بها الحكايات الشعبية التراثية المنقولة جيلا عن جيل مشافهة. وقد يسجل هذا الاهتمام المتزايد كمؤشر تطور لجمعية معرض صفاقس لكتاب الطفل التي أسست لثقافة طفلية متطورة تضع الطفل في عالم الكتاب الداخلي بكل ملكاته السمعية والبصرية والذهنية بتنظيم الورشات واستدعاء المؤلفين والرسامين والتقنيين في الصورة والصوت. ويدل ذلك على مواكبة هذه الجمعية لما يحصل من تطور في عالم ثقافة الطفل وقد ازداد الاهتمام بالموروث الشفوي عند الشعوب هذه السنوات وذلك في ا رتباط بالمحافظة على كيانها من مد العولمة الغازي وأيضا كوسيلة لتجذير الطفل في وجدانه القومي وهويته وهي وسيلة هامة لشعوبنا العربية والمغربية بالخصوص التي تتجاذب ذاتيتها ثقافات متصارعة: الغربية «المستعمرة» والعربية والدارجة المبعدة والمزاحة من عالم الثقافة تقريبا وقد بينت العديد من الدراسات العربية الحديثة أنه من أسباب الضعف الدراسي والعزوف عن الكتاب هو ما يسمى ب«الاغتراب» وهو باختصار أن تفكر بلغة وتكتب بأخرى، وأن تقع قطيعة حادة ومؤلمة بين لغة الأم ولغة التعلم وقد لاحظ الباحثون التربويون والمختصون النفسيون أن مرور الطفل من لغة الأم إلى اللغة الغربية لا يتم بصورة تدريجية ولا سوية مما يؤثر على مخيلته ونطقه وقدرات امتلاك اللغة لاحقا... ثم إن مباحث متعددة الاختصاصات قد بينت أن للحكاية الشعبية قيمة سردية وأن لها تأثيرا جيدا على تطوير ملكات الذكاء عند الصغار وتحفيز استعداداتهم لتقبل المعرفة. وهذه بعض الإشكاليات التي طرحت للنقاش: الثوابت والمتغيرات في البيئة والمضامين والوظائف: دور الحكاية في تطوير الكفاءات: الاستماع والمحادثة والكتابة أي مستقبل للحكاية الشفوية والمكتوبة للطفل في ظل ما نشهده من هيمنة الصورة والثقافة الرقمية؟ الحكاية المروية للطفل والفنون الأخرى (سينما، مسرح، رسم..) قطيعة أم تفاعل؟ الحكاية لذوي الاحتياجات الخصوصية لقد جاءت أغلب المداخلات في شكل شهادات حول تجربة كل واحد في مجال الحكاية ولتؤيد أغلب ما قيل في مدخلنا النظري السابق، خاصة أن أغلب المشاركين مارسوا الحكاية عن قرب أو بعد ولمسوا أبعادها بصفة مباشرة.. وهم في الغالب من ذوي التكوين والاختصاص في مجال التربية وعلم النفس والتاريخ والأدب واللغة والمسرح.. جاؤوا من تونسوفلسطينوالجزائر والمغرب وألمانيا ومصر والإمارات وسوريا وروسيا... عينات من التجارب: دنيس أسعد من فلسطين حكواتية وباحثة.. اشتغلت مع المهنيين في مجال التربية ضمن دورات تدريبية لهم وقد دخلت الحكاية الشعبية في فلسطين من ضمن أدب الطفل وهي تحكي في المدارس مثل بقية الحكايات المكتوبة وتمثل وترسم وتغني فتطبع الذاكرة وتحيل إلى مرجعية الهوية. وتحدثت «دنيس أسعد» عن تجربتها في مدرسة مختلطة «عرب مع إسرائيليين» وقد لاحظت أن الأطفال العرب يتحدثون بالعبرية.. وقد جعلت الشباب يحكون للصغار... أما تجربتها مع ذوي الاحتياجات الخصوصية فقد تأسست بحيث تجعل الأطفال العاديين يقبلون أندادهم من ذوي الاحتياجات الخصوصية وذلك ضمن أسبوع تحت شعار «من حقي» وقد بينت دنيس أنها وجدت صعوبات تذللت شيئا فشيئا بفضل الحكايات التي تخلق جوا حميميا مفعما بالتواصل... ناصر شارل اسفال من ألمانيا من أصل جزائري تتمثل تجربته في أنه بعد أن أقام أكثر من ثلاثين سنة في ألمانيا دون أن يتكلم بالعربية مطلقا، تذكر في ظروف معينة والدته التي كانت تحكي له حكايات حملتها من وطنها الأم محملة بتراثهم وحكمتهم وأحلامهم فأخذ يحكيها باللغة الألمانية فوجدت صدى كبيرا وهو الذي كان يظن أن الألمان لا يمكن أن يهتموا بثقافة المغرب العربي وها هو يحكي بلهجة غرب الجزائر التي حملها في وجدانه طيلة إقامته بفرنسا وألمانيا وقد كان اللقاء حميميا مع أطفال معرض كتاب الطفل بصفاقس... مع الملاحظ أن الحكايات الشعبية لا تبقى جامدة بل تتطور مع العصر وتتلون حسب الجمهور المستمع، وكذلك تتأثر بالمجال الثقافي الذي تعيش فيه وذلك من خلال الراوي. فعلى سبيل المثال يحكي الناصر حكايات متأثرة بالثقافة الألمانية الثرية بالفلسفة ومساءلة الفكر فترى حكاياته البسيطة في ظاهرها تعالج مواضيع حيرت الفلاسفة والمفكرين مثل «الموت» و«الزمن» أو «الحلم»...