شُرع أمس وإلى حدود السبت القادم في تقديم الترشحات للانتخابات البلدية المقرّرة ليوم 9 ماي المقبل، وهي الانتخابات الّتي لها من الأهمية القدر الكبير ناهيك وأنّها أوّل انتخابات في ظلّ البرنامج الرئاسي «معا لرفع التحديات»، هذا البرنامج الّذي جاء شاملا وتحقّق من حوله إجماع شعبي نادر وتطمحُ البلاد أن تبلغ بتنفيذ مختلف محاوره ونقاطه مرتبة الدول المتقدّمة على جميع الأصعدة ومنها الصعيد السياسي. وقد خصّ رئيس الدولة هذه الانتخابات بمنزلة مرموقة عندما أكّد في خطابه بمناسبة ذكرى عيدي الاستقلال والشباب أنّها، أي الانتخابات البلدية، يجب ان تكون محطّة على درب تعزيز التجربة التعددية وتعميق الديمقراطية في جميع ربوع البلاد بما يخدم التعايش الحضاري بين كلّ التونسيين والتونسيات ويزيد في رقي الحياة السياسية ويُغذي بالشكل المرجو مبدأ المشاركة والتوافق الوطنيين. كما أكد رئيس الدولة عزمه على أن تجري هذه الانتخابات في ظلّ الشفافية والنزاهة وحياد الإدارة بمعاملتها لكلّ الأطراف المتنافسة على قدر المساواة، وزاد السيّد الرئيس فأذن ببعث مرصد وطني للانتخابات مهمّته رصد مجريات العملية الانتخابية بكلّ مراحلها ومتابعتها ومراقبتها بما يُساهم في مزيد الوقوف عند خصائص المشهد الانتخابي ومستلزمات مزيد تجويده وتخليصه من كلّ السلبيات والمعوّقات. إنّها محطّة انتخابية وسياسية على غاية من الأهميّة وقد استعدّت كلّ الأطراف لها بالشكل المطلوب منذ فترة سابقة ومن المنتظر أن يكون التسابق لافتا في ظلّ مشاركة قياسيّة غير مسبوقة من الأحزاب وفي ظلّ وعي مجتمعي متّسع بمنزلة المجالس البلدية في خدمة الشأن العام وتصريف الشؤون اليومية للمواطنين وتحقيق تطلعات الناس في مزيد من الرفاه وظروف العيش الكريم والبيئة السليمة والتنمية. الأجواء الانتخابية الّتي انطلقت أمس، والتي ستتواصل على مدار شهر كامل، تدعم دونما شكّ القراءات والتقييمات الّتي تشيرُ إلى نجاح التجربة التونسية في صياغة نموذج ديمقراطي وتعددي فريد قوامه الإصلاحات المتتالية والتطوير المنتظم للقوانين والتقنيات الانتخابية، هذا إلى جانب تأمين أفضل السبل لعملية انتقال سلمي وهادئ من مرحلة إلى أخرى أكثر تشريكا وأكثر احتراما للاختلاف والتباين وتعدّد الآراء والمقاربات الّتي تجتاح المجتمع التونسي كأيّ مجتمع آخر في العالم، فمن وضع عرفتهُ تونس لعقود طويلة ميزتهُ الأساسيّة التوتّر الدائم بين السلطة وأجهزتها المختلفة ومكوّنات المجتمع المتعدّدة ومن صراعات بين هذه المكوّنات نفسها، إلى وضع يرقى درجة بدرجة نحو مشهد ديمقراطي تعددي سليم تتوسّع فيه دائرة المشاركة وتتدعّم عبرهُ أطر الحوار والجدل الهادف والبناء والخادم للمصلحة الوطنية والسائر بالبلاد نحو آفاق أرحب. وربّما ذلك هو الرهان الحقيقي للانتخابات البلدية الحالية، أن تؤكّد درجة النضج الّذي بلغتهُ الممارسة السياسية في تونس بفضل مسارها الإصلاحي المرحلي والتدريجي بمعنى أن تمهّد هذه الانتخابات إلى مرحلة سياسية أكثر تطوّرا ومختلفة عن سابقتها من المراحل السابقة وذلك دور موكل لجميع أطراف المشهد السياسي من إدارة وحزب حاكم وأحزاب معارضة على حدّ السواء.