تونس «الشروق»: شهدت دول اتحاد المغرب العربي في الآونة الأخيرة حركية كبيرة على مستوى البحث عن شراكات اقتصادية أكثر فاعلية مع مختلف التكتلات الاقتصادية العالمية والتي من أبرزها التكتل الآسيوي والاتحاد الأوروبي والتكتل الأمريكي اللاتيني والولايات المتحدةالأمريكية. ولعلّ ما يلفت الانتباه أكثر في هذه المساعي المغاربية هو تكثيفها للعمل على ترسيخ شراكة أقوى مع التكتل الأسيوي وعلى مستويات عدّة. وهو ما جعلنا نسلط الضوء على هذا المسار المغاربي الذي يتحد في محطات عدّة مع التوجهات العربية بصفة عامة، وحاولنا التطرق إلى جملة من المسائل لعلّ أبرزها آفاق هذا التعاون المغاربي الآسيوي وانعكاساته على اقتصادات دول الاتحاد وسياساتها وأثره في العلاقات الدولية وخاصة على مستوى القضايا الاقليمية والعربية. انطلق التفكير في الولوج المغاربي إلى أسواق جديدة منذ قيام الاتحاد سنة 1989 وكان الهدف من هذا المخطط مزدوجا، فهو من جهة سيبحث عن مستثمرين جدد في دول الوحدة ومن جهة أخرى كان يهدف إلى تدعيم الوحدة المغاربية عبر توحيد الفضاء المغاربي وجعل الشراكات الجديدة تعطي دافعا أقوى لتنفيذ المشاريع الاندماجية لبلدان المغرب العربي. ولقد ساهمت المعطيات الجغرافية والاقتصادية المغاربية في توفير الأرضية الملائمة لجعل المنطقة المغاربية نقطة التقاء بين مختلف التكتلات الاقتصادية العالمية فهي طريق الاتحاد الأوروبي وأمريكا والتكتل الآسيوي إلى إفريقيا والعكس أيضا صحيح. وارتكزت العلاقات الاقتصادية لبلدان المغرب العربي منذ استقلالها على الفضاء الأوروبي. لكن الثورة التكنولوجية والصناعية التي شهدتها الدول الآسيوية والتي أهلتها لاحتلال مكانة مهمة على المستوى العالمي. جعلت أنظار الدول المغاربية والعربية تتوجه نحو البحث عن شراكة فاعلة معها، والتخلص من هيمنة الشركاء التقليديين. وتدعمت التوجهات المغاربية بالمشاركة في الندوة الرابعة اليابانية الافريقية التي انعقدت بمدينة يوكوهاما في ماي 2008، وتم في تلك المناسبة ارساء حوار بناء مع المسؤولين اليابانيين لتعزيز وتكثيف التعاون معها في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وأفضى الحوار مع اليابان إلى انعقاد اجتماع في الدارالبيضاء بداية عام 2009 حضره سفراء طوكيو المعتمدين في الدول المغاربية الذي ركز على طرق بعث شراكة حقيقية بين الفاعلين الاقتصاديين وأحد أقوى الاقتصادات الآسيوية وقد شملت مجالات الشراكة والتعاون تبادل الخبرات والمعلومات في المجال البحثي والعلمي وستحتضن تونس في شهر ديسمبر من هذه السنة الدورة الثانية للمنتدى الاقتصادي العربي الياباني. وللاستفادة أكثر من التجارب والبحوث والخبرات اليابانية فقد انتظم بمقر الأمانة العامة بالرباط في مناسبتين آخرهما في مارس المنقضي اجتماعان مع ممثلي المركز الياباني لبحوث شمال افريقيا. ولقد عملت دول الاتحاد على تعميق هذه التجارب مع دول تمثل ثقلا حقيقيا داخل الكتلة الآسيوية ومن بينها الصين والتي عرفت العلاقات العربية معها تطورا ملموسا في كافة المجالات وتدعمت اثر التوقيع على وثيقة منتدى التعاون العربي الصيني في سبتمبر 2004 إضافة إلى برنامج تنفيذي يغطي مختلف ميادين التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي. وفي مستوى آخر من المساعي المغاربية والعربية تم في عام 2008 بعث المنتدى العربي الهندي للتعاون ليكون إطارا للشراكة بين الطرفين التي تشمل التعاون السياسي والاقتصادي والاستثماري والثقافي والعلمي. وإلى جانب ذلك تم سنة 2008 أيضا اطلاق منتدى التعاون العربي التركي والذي تضمنت آلياته وضع خطة تحرك مشتركة تتضمن جملة من المشاريع الاستراتيجية في عديد المجالات. وأثمرت هذه التحركات المغاربية جملة من الشراكات مع الدول الآسيوية، ولعلّ من أبرز نتائجها هو أن تكتل النمور الآسيوية أصبح يستقطب أكثر من 10٪ من جملة الصادرات المغاربية بقيمة تفوق 19 مليار دولار وفق احصائية عام 2008، وفي المقابل بلغت واردات الاتحاد من الدول الآسيوية في العالم نفسه 30 مليار دولار أي ما يعادل 23.8٪ من الواردات الاجمالية لدول الوحدة المغاربية. أصبحت مجالات التعاون المغاربية الآسيوية تزداد عمقا يوما بعد آخر وخاصة على المستوى الاقتصادي وهو ما يجعل المتتبع لهذا الملف يطرح سؤالين على الأقل لهما الكثير من الأهمية وهما هل أن هذه الشراكة الواعدة مع النمور الآسيوية يمكن أن تدفع عربة الوحدة المغاربية والوصول بها إلى التكامل، أقله على المستوى الاقتصادي. ومن جانب آخر هل يمكن لهذه الشراكة المغاربية الآسيوية أن تؤتي أكلها على مستوى السياسة الدولية وخاصة أن ليبيا هي أول دولة تطرح ملف تحوير هياكل الأممالمتحدة بما يتناسق مع المعطيات الدولية الجديدة وهو ما تبنته القمّة العربية المنعقدة في مدينة سرت نهاية شهر مارس المنقضي.