في شريطه الجديد «زرزيس» يطرح المخرج محمد الزرن مجموعة من الاشكاليات في العلاقة بين الغرب والشرق من خلال مدينته جرجيس. كيف يرى العلاقة مع المكان؟ ولماذا اختار جرجيس موضوعا لشريطه؟ «الشروق» إلتقته في هذا الحوار. في أفلامك هناك دقة كبيرة في رسم الشخصيات حتى لكأنك تقدّم سينما «البورتريه»، من أين تستمدّ هذا؟ من الكتابة أساسا، الشخصية أكتبها بدقة لأني أعيش معها طويلا لذلك ترى في كل فيلم هناك شخصية مختلفة لا يمكن أن تنسى بسهولة لأنها مكتوبة بتروّ مثلا دور عبد الله مأمون في «كسّار الحصى» لا يمكن أن ينسى وكذلك دور هشام رستم في «السيّدة» أو دور المرحومين بوزيّان في «السيّدة» ومصطفى العدواني في «الأمير». الشخصية هي أساس الفيلم لذلك يجب أن تكتب بدقة وهذا ما أفعله في أفلامي وآخرهم «زرزيس». علاقتك مع جرجيس فيها الكثير من الحنين ألا تخاف من أن يصبح حنينا مرضيا؟ العلاقة مع مكان الطفولة موجودة دائما لدى كل شاعر وكل فنان، لكن أنا ابتعدت عن جرجيس لأراها المسافة ضرورية مع المكان لتراه أفضل وربّما لو لم أسافر وأبتعد عن جرجيس لسنوات طويلة في فرنسا لما رأيتها بهذا الشكل. السينما هي المكان وبدون فضاء لا وجود لسينما وبدون انسان لا وجود لمكان لأن الانسان هو الذي يعطي للمكان قيمة. «زرزيس» فيلم متشعّب ومتناقض لأنه يتحدث عن مكان متعدّد وفيه كسر وجرح. الحب موجود في الشريط لكنه حب مجروح، من المسؤول عن هذا الجرح؟ الجميع طبعا. وهذا ما أراد أن يقوله الشريط. مدينة جرجيس أهلها لا يعرفون قيمتها وهذا ما أردت أن أقوله أحيانا يجب أن يأتي سائح أجنبي لينبّهنا لقيمة ما نملك ولنكتشف أن بلادنا جنّة عكس ما نتصوّر وما نشعر. هل أنت راض عن توزيعه ومستوى الاقبال؟ هذا الشريط مختلف وهو الى حد الآن في الأسبوع الخامس وهذا ممتاز جدا في ظل أزمة السينما لأن المشاهد قاطع الفضاءات الثقافية وليس قاعات السينما فقط الفيلم لا يحتاج الى ضجيج اعلامي لأنه مختلف وانجازه مهم للحقيقة والتاريخ والمهم هو الاضافة الفنية. قاعات السينما في أزمة وعدد ملتقيات ومهرجانات السينما في ارتفاع أليست هذه مفارقة؟ نعم، المهرجانات أصبحت مرتبطة بالعطل وبالتالي أصبح المهرجان يشبه العرس والمأتم الذي يلتقي فيه الناس يعني لم تعد الثقافة اهتماما يوميا وهذه عقلية مرضية فالجمهور أصبح غائبا ليس في قاعات السينما فقط بل حتى في معارض الفنون التشكيلية وفي لقاءات الكتب. لابد من أن تتحول الثقافة الى أولوية وطنية لأنه بهذا فقط يمكن ان نتجاوز أزمة القاعات. الفضائيات العربية أليست مسؤولة عن هذه الأزمة أيضا؟ الفضائيات مسؤولية عن تراجع وانهيار المشروع الحداثي في العالم العربي، الاصوليون استغلوا الصورة ودجّنوا بها الشعوب العربية وقتلوا قيم الحب والحرية والحياة الجميلة والفن الراقي وأسسوا لثقافة الخوف وعذاب القبر وكانت النساء أوّل ضحايا هذه الفضائيات وخاصة اللاتي لا يعملن وكذلك الاطفال وفي هذا المناخ لا يمكن ان تزدهر السينما ولا الثقافة. وبالتالي فالرهان على الثقافة هو رهان على التحديث وحماية المجتمع ومحافظة على قيمه المدنية. تراجع الدعم الفرنسي لسينما الجنوب ألا يؤثر على مستقبل السينما العربية وخاصة المغاربية؟ نعم وبكل تأكيد السياسة الفرنسية الجديدة خفضت بأكثر من 50 بالمائة من ميزانية سينما الجنوب وحتى السينما الفرنكفونية نفسها. هذا سيشلّ فرنسا لأنها كانت الوحيدة التي لها انفتاح على الحضارات الاخرى بمعنى أن فرنسا أدركت أن هذه الثقافات تضيف إليها لذلك أسّست مصادر دعم لهذه السينما وكان هذا الدعم وراء ظهور سينمائيين كبار. كل أفلامي تمتّعت بهذا الدعم، ولكن الآن كل شيء تغيّر فقد أغلقت أوروبا الباب على الجنوب وفي هذا الانغلاق مفارقة عجيبة، فغلق الحدود يعني حرمان الشباب من السفر وحرمان الانسانية من الطاقة النافعة فالسفر حق وتقنينه ب «فيزا» شيء غير انساني بالمرّة. «زرزيس» هو نموذج لما يحدث في العالم من انغلاق، فنحن منفتحون على الآخر لكن أوروبا مغلقة لأن نظرة الغرب نظرة أحادية للجنوب ففي الوقت الذي تطالب فيه أوروبا وتدعو العالم الثالث الى احترام الديمقراطية وحقوق الانسان وحق الاختلاف والأقليات بل تتدخل أحيانا دول أوروبية عسكرية في بعض المناطق باسم هذه الشعارات نجد أن هذه الدول هي أول من ينتهك حقوق الانسان والديمقراطية. أفليست «الفيزا» اعتداء على حق الانسان في التنقل وخاصة الشباب الذي من المفروض أن يتمتع بكل امكانيات السفر والحلم. قضية الهوية الوطنية في فرنسا التي يطرحها ساركوزي الآن أليست دليلا على هذا الانغلاق؟ هذا ما أردت أن أطرحه من خلال «زرزيس»؟