يمثل عبد الحميد حواس واحدا من أشهر الباحثين العرب المتخصصين في السيرة الهلالية وقد درّس في تونس مطلع الثمانينات في بداية تأسيس المعهد العالي للتنشيط الثقافي كما زار تونس أكثر من مرة للمساهمة في ندوات علمية حول السيرة الهلالية. «الشروق» التقته في هذا الحوار: الحكاية الشعبية تشغل جزءا من اهتماماتك، الى أي حدّ تستطيع الحكايات الشعبية أن تشكّل قواسم مشتركة بين الشعوب العربية؟ أنا أفضّل أولا مصطلح الثقافة الشعبية عن التراث الشعبي في مثل هذه التعبيرات. الثقافة الشعبية وبعد معايشة وخبرة ميدانية لا يمكن فهمها في قطر عربي قبل أن نتعرّف على بقية الأقطار هناك قواسم مشتركة وهي أكبر من أن تكون مجرّد تشابهات أو أن هناك في تقديري وحدة، أقول هذا الكلام بناء كما قلت على خبرتي الميدانية فحتى منطلقاتي التي كنت بادئا بها كانت غير هذه فهي الواقع الميداني والمادة العينية هي التي نبهتني الى أن أمضي في تصوّراتي مثلا أنا شخصيا عانيت من نص مصري موجود كان المصريون يتصورون في ذلك الوقت أنه ممثل للطابع المصري فوجدت جزءا من هذا النص غير مكتمل بالنسبة لي الى أن ذهبت الى قرية في تونس قريبة من قليبية وطلبت من الطلبة أن يبحثوا عن أصول هذه الحكاية في حين جلست أنا في مقهى وورد في ذهني هذا النص فسألت عنه محاولا تذكير الجالسين ببعض الحكايات الشعبية فوجدت تشابها كبيرا بين الحكايات في تونس والحكايات في مصر. ولحسن الحظ أني سافرت في الشرق والمغرب العربي ووجدت الكثير من السير المشتركة ليس فقط السيرة الهلالية فبالتالي الأصل هو وحدة الثقافة الشعبية والتمايزات الجهوية في واقع الأمر هي نبرات مختلفة لنص واحد. كيف تقيّم الخطوات التي قطعت في باب جمع الثقافة الشعبية؟ هناك اهتمام كبير بالثقافة الشعبية في العالم العربي حسب الرؤى والتوجهات وهناك مؤسسات ومختصون يعملون في هذا المجال بجدية لكن هذا لا يعني أن الرؤى واحدة وأنها ممنهجة وعلمية بحتة ولكن يوجد مثلا في تونس منذ سنوات طويلة اهتمام أكاديمي بهذا الجانب مثلا أنا درّست في المعهد العالي للفن الشعبي في مشروع تابع لليونسكو في بداية الثمانينات ومازال هناك أساتذة معنيون بهذا المبحث وفي مصر هناك معهد عالي للفنون الشعبية يمنح الماجستير والديبلوم والدكتوراه بالاضافة الى ما هو موجود في الجامعات الأخرى مثلا كلية الفنون الجميلة وكليات الموسيقى والمعهد العالي للمسرح. أيضا المؤسسات الأخرى غير الأكاديمية تنتشر ولكن المشكل أن هذه البحوث أصبحت شبه أكاديمية فقط أي لا يعرفها الآخرون وحتى العاملون في هذا المجال تغيّروا لأن جيل الستينات والسبعينات كان معنيا بالقضايا العامة ولكن الآن أصبحت الوظيفة هي الدافع الوحيد للدراسة. السيرة الهلالية هل تعتقد أنها لم تعد تحتاج لمزيد من الدراسة؟ الاهتمام بالسيرة الهلالية ليس مقتصرا على تونس ولا على مصر . في العراق أعرف دارسا حاز على الدكتوراه من جامعة لندن حول السيرة الهلالية وفي دول الخليج أيضا وفي الجزائر وليبيا والمغرب.. السيرة الهلالية متعددة الروايات وهي ممتدة حتى الى نيجيريا فضلا عن مشكلة أخرى وهي أن كثيرا من القبائل تنسب نفسها الى الهلاليين لاعتبارات إيديولوجية وفكرية. في المسرح العربي هناك أعمال مستلهمة من السير الشعبية كيف تقيّم هذا التوجّه؟ هو توجّه قديم ارتبط ببدايات المسرح مع مارون النقاش وأبوخليل القبّاني وكان أبو الحسن المغفّل المأخوذة عن ألف ليلة وليلة وفي السينما أيضا اعتمدت في البدايات على السير الشعبية، وفي الرواية هناك كاتبة إسمها زينب فوّاز اعتمدت في بداياتها على السيرة الشعبية. ولكن لا أريد أن أقلّل من جهد الاخوة في مراحل متأخرة هناك من يتحدث وكأنه هو الفاتح الأول فسعد اللّه ونّوس رحمه الله ومع احترامي الكبير له لم يكن هو الأول الذي سار في هذا الاتجاه فمنذ بدايات ما يسمّى النهضة العربية انشغل بها المؤسسون وكان من الضروري وضع الجذور في تربتها المحلية. الثقافة الشعبية هل تستطيع أن تكون حصنا ضدّ العولمة؟ نحن ننسى أن العولمة هي في الأصل تحويل العالم الى سوق، الاقتصاد صار ماليا وناتج هذا لكي يؤمّن الناتج العالمي لا بدّ من مدّ ثقافي بمنطق السوق، العولمة تدعو الى أن يكون العالم نموذجا واحدا ولهذا تنشغل اليونسكو بالتعدد الثقافي وزعيم الحزب القومي في روسيا مثلا دعا العرب الى التعامل مع الجمال والصحراء وأن يبتعدوا عن الغرب وهكذا يظهر سلفيا أكثر من السلفيين! في الغرب نفس الشيء هناك نصوص من قيادات مختلفة تدافع عن الخصوصية واللغات المحلية ولا تتصور عدد المؤتمرات التي تعقد في الولاياتالمتحدةالأمريكية حول هذا الموضوع. المحور الثاني يريد نشر أنماط استهلاكية تبدو كأنها عالمية لكن في واقع الأمر لا تستقر على أسس حقيقية، فن الراب مثلا تجده في غزّة! التقاه في القاهرة نور الدين بالطيب