ما انفكت اللجنة الثقافية بسوق الجديد تكرّم أبناء المنطقة من المربين الذين يحالون على شرف المهنة الذين أفنوا أعمارهم في نحت وصقل وإنارة عقول الناشئة في كل برّ من تونسنا العزيزة وقد احتفت اللجنة الثقافية بسوق الجديد في الأيام القليلة الفارطة بتكريم ثلاثة مربين «الشروق» استغلت الفرصة وأقامت في عقب الحفل البهيج حوارا مع السيد «رحيّم صعدولي» الذي عمل معلما ومديرا ومساعدا بيداغوجيا بالمدارس الابتدائية داخل معتمدية سوق الجديد وخارجها وتتلمذ على يده أجيال (بعضهم حضر حفل التكريم) أشادوا بخصاله النبيلة ومثابرته وتفانيه في مهنته التي ظل عليها طوال فترة عمله. وكان الحوار كالتالي: حوالي 4 عقود في مجال التدريس مر فيها على يدك أجيال فهل لاحظت فرقا بين أبناء الفترة الأولى من حياتك المهنية وأبناء القرن 21؟ خلال ثلاثة عقود ونصف مر على يديا جيلان على الأقل جيل الثمانينات وما قبلها وجيل ما بعد الثمانينات فالجيل الأول رغم صعوبة الظروف كان المعلم جادا ومجتهدا وكانت ثقة كل من التلميذ ووليه فيه كبيرة وكان الوحيد مصدرا للمعرفة وظل النبع الوحيد الذي يروي كامل المحيط المدرسي فكانت إضافة المعلم ظاهرة ورغبة المتعلم جامحة. أما الجيل الثاني وقد عاصر التقدم في كل الميادين وعلى كل الأصعدة حيث تعددت مصادر المعرفة وواكبتها تغيرات عديدة فأصبحت ثقة المعلّم في الميزان وضاع المتعلم بين المرئيات والموازيات ووسائل الاتصال فما كان أن تردت المستويات واستحال الولي آخذا في اعتباره سوق الشغل فأصبحنا نتحدث عن النخبة. إن التعليم أصبح جزءا منك بعد كل هذه الحقبة فلو وصفت لنا شعورك هذا اليوم وأنت تفارق هذه المهنة؟ مهنة التعليم تعلّقت بها أيّما تعلق على غرار مهن أخرى عملت بها أو عُرضت عليّ في بداية مسيرتي وقد علمتني هذه المهنة الانضباط في العمل والوقت والميعاد أحب الغير (الأطفال) فأجدّ وأجتهد من أجلهم وأبتعد كل البعد عن المكروه والممنوع من الأشياء والأعمال مطالبا بهذا الأخير أطفالي وزملائي عملا بالمقولة «لا تنهى عن شيء وتأتي بمثله» ذلك أني أخشى التعقّب من أي كان أما شعوري وأنا في أيامي الأولى من التقاعد هو الحب لهذه المهنة ولزملائي الذين أغار عليهم فأنا أحن إلى ورشاتهم المزينة والمرتبة وإلى دفاترهم المسطرة وإلى مناديلهم البيضاء الناصعة وإلى البراعم التي ترفع النقاب عن خفاياها يوما بعد يوم فتتفتح رويدا رويدا طالبا وملحا على زملائي مزيدا من العطاء والإضافة للنهوض بناشئة هذه الربوع. هل مازالت تتذكّر تجربة صعبة في حياتك المهنية؟ لم أتعرّض لأي تجربة صعبة تذكر طيلة مسيرتي المهنية علما وأني متسلح في عملي بالثقة بالنفس والإرادة الفولاذية ولمّا كانت رغبتي ملحة وكبيرة في تعاطي هذه المهنة كنت منذ بداياتي أنافس وأحاكي ذوي الخبرة ولا أشعر بالحرج في السؤال عن أنجح وأجدى الطرق بحيث لم أشارك في مسابقة مثلا إلا وكان النجاح حليفي ولم أقدم نمطا في الاختبارات الوطنية أو الجهوية لفائدة تلاميذ السنوات السادسة أو الرابعة إلا واعتمد. بكلّ تأكيد خلّفت فيك هذه المهنة عديد الخصال فلو أمكنك رصدها؟ هذه المهنة علمتني الصبر والصدق والجدية في العمل وكذلك الثقة بالنفس واحترام الآخرين مهما كانوا حتى أجلب الاحترام لنفسي.