قبل ثماني سنوات رحل «الماتر» الحبيب بوعبانة الذي شكّل علامة فارقة في تاريخ الفن التشكيلي في تونس إذ كان أوّل من خرج بالفن التشكيلي من الأروقة المغلقة الى الشّارع وأوّل رسّام صنع لنفسه سوقا للوحاته ليعيش من فنّه حاملا شعاره الشهير «أنا خدّام حزام». اللجنة الثقافية بالمكنين دأبت منذ ستّ سنوات على تنظيم ملتقى يحمل أسمه إعترافا بعبقرية هذا الفنان الإستثنائي إذ غادر والده المكنين الى العاصمة ليعمل «تارزي»في حي باب سويقة الذي عاش فيه بوعبانة طفولته ليتشبّع برائحة الحياة وأصوات الناس وإيقاع الشّارع وهذه الطفولة هي التي وجّهت المسار الفنّي للحبيب بوعبانة الذي صنع لنفسه مساراخاصا وهو الوحيد الذي نجح في تمرّده على مجموعة «مدرسة تونس»ليؤسّس مسارا فنيّا يواصله بعده بإقتدار تلميذه لمين ساسي الذي تفوّق في بعض الأعمال على معلّمه ولا شكّ أن الماتر في دنياه الأخرى ينظر الأن لتلميذه بكثير من الزّهو والإرتياح أماّ تلميذه الثاني فوزي الشتوي فقد غادرنا مبكّرا في ريعان العطاء والشباب . شباب مدينة المكنين إستعادت أيّام 30أفريل و1و2ماي ذكرى «الماتر» كما سمّاه الناقد التشكيلي الهاشمي غشّام قبل سنوات بعيدة عندما لم يكن أحد يهتّم بهذا الرّسّام العبقري وقد نظّمت اللجنة الثقافية في إطار الملتقى معرضا لرسّامي المدينة من العصاميين ومن خريجي المعاهد العليا للفنون والحرف وهم ليليا الجلاصي الشريف-أبو القاسم الزاير-مفيدة التّكاري بن صالح-الهادي مفتاح-أكرم قدوار-محمد الفارسي-أميرة الفارسي-حاتم رزيق –نهال مفتاح-ملاك أم الزين-سامي بن حجرية –ناجح بوجناح-وليد جاء وحدو. والى جانب المعرض تضمّن البرنامج ندوة أشرف عليها الدكتور كمال الحاج حمّودة بعنوان ‹الرّسم والميثيولوجيا اليومية في تجربة الحبيب بوعبانة «وقدّم خلالها النّاقد الهاشمي غشّام مداخلة على قدر كبير من العمق والجدّية عن عالم الحبيب بوعبانة وخصوصياته الفنيّة المتّصلة بحياة بوعبانة في علاقته بالمال والأكاديمية والمرأة والشّارع ومدرسة تونس والقضايا العربية كما تحدّث الدكتور كمال الحاج حمّودة عن المنجز الفنيّ للحبيب بوعبانة وقد تخللّت المداخلتان بعض الذكريات الطريفة مع المرحوم الحبيب بوعبانة . أخر ما رسم الحدث البارز في هذه الدورة السّادسة كان عرض مجموعة من لوحات الرّاحل لأوّل مرّة في مدينته وقد بادر صديقه مكّاوي أسماعلي الذي يملك مجموعة كبيرة من أهمّ لوحات بوعبانة الى الإستجابة لدعوة اللجنة الثقافية المحليّة ممّا كان له أجمل الإنطباعات لدى الأسرة الثقافية بالمكنين التي ثمّنت هذه المبادرة وقد عرض السماعلي مجموعة من اللوحات من بينها أخر لوحة رسمها الحبيب بوعبانة قبل رحيله بأيّام قليلة وهذه اللوحة تجسّد المعاناة النفسية التي عاشها الماتر قبل رحيله في مواجهة بياض اللوحة . هذه اللوحة كان «نجمة»الملتقى ولكن السؤال الذي طرحه عدد من المشاركين هل ستبقى بعض لوحات بوعبانة على الاقّل في مدينته المكنين الى جانب منح أسمه لأحد الشوارع الرئيسية ولمؤسسة ثقافية أو شبابية أو تعليمية ليبقى بوعبانة في ذاكرة المدينة ؟ إعتقادي أن المجلس البلدي الجديد سيولي أهمية لهذا الجانب . ورشات البرنامج تضمّن مجموعة من الورشات في الرّسم (أكرم قدواروملاك أم الزين) النحت (محمد الفارسي وعدلي يعقوب)الفسيفساء (ليليا الجلاصي حسني هلالي) الخزف (وليد جاء وحدووأكرم بوجناح) وفنون الطفل (ناجح بوجناح وسوسن المقنم)وتمّ في إختتام الملتقى تكريم الرّسّامة العصامية ليليا الجلاصي المتحصّلة على الريشة الذهبية للملتقى الوطني للمبدعات العصاميات بالمنستير والفائزين في مسابقة الورشات . اللجنة الثقافية المحلية نجحت في تنظيم الدورة السادسة بإمكانيات بسيطة لكن الماتر الحبيب بوعبانة يستحّق إهتماما أكبر يليق بحجم عطائه الفنّي .