«مستقبل أوروبا على المحك.. مستقبل أوروبا مرهون بمساعدة اليونان» بهذه الكلمات لخصت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الأزمة الحادة التي رمت باليونان إلى حافة الهاوية ويخشى الأوروبيون من أن تمتدّ تداعياتها إلى اقتصاديات أوروبية أخرى هشة لم تتعاف بعد من مخلفات الأزمة المالية التي هزت العالم خلال العامين الماضيين. مخاوف ميركل ليست نابعة من منطق الرغبة في انتشال بلد أوروبي يمضي نحو الغرق في بحر من المشاكل الاقتصادية التي لا حدّ لها فحسب وإنما من منطلق الخشية من أن تتكرّر مشاهد الجماهير الغاضبة في الشوارع وتسرّب العدوى إلى دول أخرى مثل اسبانيا أو البرتغال خصوصا حسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين. ولعل ميركل التي بدت حريصة على انتشال اليونان من محنتها أغفلت أن سبب نزول عشرات الآلاف من اليونانيين إلى شوارع العاصمة أثينا هو الاحتجاج على خطة التقشّف الحكومية التي تتضمن تخفيضات قاسية في ميزانية الحكومة ورفعا في الأسعار وفي القيمة المضافة وفي مقادير الضرائب للوفاء بالتزاماتها (الحكومة) إزاء الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وهذا يعني أن الرأي العام اليوناني يرى في التدخل الأوروبي جزءا من المشكلة وليس كما هو في الظاهر جزءا من الحل. وانطلاقا من هذا المعطى فإن مخاوف ميركل على مستقبل أوروبا تصبح منطقية ومقبولة إذا ما فكّرت أوروبا فعلا في تقديم مساعدات سخية بشروط أقل إجحافا مما هو متوفر في خطة الانقاذ الحالية. ولكن إذا نظرنا إلى المسألة من زاوية أخرى نجد أن المشكلة ليست كامنة في أوروبا وحدها بل أساسا في الحكومة اليونانية السابقة وأيضا الحالية، فالحكومة السابقة تسترت على المصاعب المالية التي عاشتها خاصرة أوروبا الجنوبية خلال الأعوام الماضية وهي اليوم متهمة بقضايا فساد مالي كبيرة لكن الحكومة الحالية أغفلت هذا الأمر وغضّت عنه النظر ولم تسع إلى الخوض في هذه القضية ومحاسبة المسؤولين عما وصل إليه البلد من تدهور، بل عالجت الأمر بشكل قاس وشرس وصل إلى كلّ بيت يوناني وترك انعكاسات كبيرة نفسيا واجتماعيا واقتصاديا لكنه لم يشمل الأغنياء الذين على العكس من ذلك تمتعوا بإعفاءات ضريبية بدعوى أنهم سيساهمون في استثمارات ضخمة قد تحسن الوضع في البلد. ولهذه الأسباب مجتمعة تحرّك الشارع وكانت النقابات العمالية التي لها حضور قوي ونافذ على الساحتين الاجتماعية والاقتصادية في اليونان وراء هذا التحرك الذي زاد من تعميق الهوّة بين الحكومة والشارع. فالحكومة عالجت الأمر بشكل أضرّ أساسا بالحلقة الأضعف في البلد والشارع لم يهضم حتى الآن هذا التغاضي عن المتسببين في الأزمة واللجوء إلى «معاقبته» وتحميله مسؤولية أخطاء لم يرتكبها، ولذلك يبدو المشهد اليوناني مرشحا لمزيد من الاشتعال ويبدو البلد فعلا ماضيا إلى الهاوية كما حذّر من ذلك الرئيس كارلوس بابولياس.