مع انضمام الفئات العمالية بمختلف انتماءاتها الى صفوف المسيرات الطلابية الحاشدة في مختلف الشوارع اليونانية تكون الازمة الحاصلة في اليونان بعد مقتل مراهق برصاص رجل امن قد اتخذت ابعادا اخرى تتجاوز حدود مشاعرالغضب الشعبي لتلك النهاية الماساوية لشاب في عمر الزهور لتكشف بذلك عن الوجه الاخر لازمة اكثر تعقيدا تداخلت فيها الملفات الانسانية والقيم الاجتماعية والاخلاقية والامنية والسياسية والاقتصادية بما يمكن ان يجعل من حالة الهدوء الحذرالظاهر الذي ساد اليونان خلال الساعات القليلة الماضية اشبه بما يعرف بالهدوء الذي يسبق العاصفة طالما استمرت الاسباب والدوافع التي ادت الى الاحداث الخطيرة التي عاش على وقعها الشارع اليوناني طوال اسبوع قائمة... ولاشك ان في امتداد تلك المظاهرات من العاصمة اثينا الى بقية المدن اليونانية ومنها الى مختلف العواصم الاوروبية ومقرات القنصليات اليونانية ما يجعل من الحدث محور اهتمام صناع القرار السياسي في أوروبا الذين يتطلعون الى الساحة اليونانية بكثير من الانشغال والترقب... بل لعل في مختلف القراءات التي حاولت المقارنة بين احداث الشغب التي عاشت على وقعها فرنسا قبل اشهر باحداث اليونان ما يمكن ان تجد لها الكثير من المقاربات بين شباب طلابي غاضب يسعى لدفع حكوماته للاعتراف بقضاياه الراهنة وعدم الاستمرار في سياسة الهروب الى الامام وتاجيل البحث عن الحلول المطلوبة لمشاكل التعليم والتشغيل وقضايا التامين وغيرها... واذا كان من السابق لاوانه التكهن بما يمكن ان تؤول اليه انعكاسات تطورات الازمة على حكومة كوندستاندينوس كرامنليس التي تعيش بدورها ازمة ثقة مع الشارع اليوناني بسبب الفضائح المتواترة وضلوعها في الفساد وعجزها عن مواجهة القضايا العالقة منذ ازمة الحرائق التي ذهب ضحيتها العشرات لاسيما بعد انضمام اليسار المعارض الى صفوف المتظاهرين ودعوتهم الى اسقاط الحكومة فان في موقف الشارع اليوناني الذي اهتز لمقتل المراهق وتكلم بلغة موحدة رسالة لا تخلو من مؤشرات عريضة بشان قيمة الانسان وقداسة الحياة البشرية التي لا مجال للتنازل او للتهاون بشانها والتي لا تقبل المزايدات ولا تخضع للمساومات ولا يبدو حتى كتابة هذه الأسطر ان توجيه تهمة القتل العمد إلى الشرطي المذنب لم تفلح في تهدئة الخواطر وتخفف من مشاعر الغضب... لقد وصفت بعض صحف الصادرة في عاصمة الهة الحكمة الاغريقية الهدوء الحذر الذي ساد بالامس الشارع اليوناني في اعقاب اسبوع من المظاهرات الطلابية العارمة "باستراحة المحارب" فيما ذهبت اخرى الى اعتبار ان اليونان بات اشبه بسفينة بلا مجاذف في الوقت الذي اتجهت فيه اعين كبار المسؤولين في مختلف العواصم الاوروبية الى مراقبة التطورات الحاصلة في اليونان بالمجهر تحسب لامتداد حالة العدوى والغضب الى داخل حدودها بعد ان بات الاعتقاد راسخا لدى اغلب المراقبين بان الحادثة التي ادت الى مقتل مراهق يوناني برصاص احد رجال الامن انما هي انعكاس لوضع يتجاوز حدود اليونان الى ما هو ابعد من ذلك مع امتداد اخطبوط الازمة الاقتصادية العالمية لتتفاقم معها موجة الفقر والبطالة وارتفاع الاسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطن العادي وهي مظاهر لا يبدو انها حكر على بلد او منطقة دون اخرى مع تواتر اخبار غلق المصانع وتسريح الاف العمال من الدول الصناعية الى الدول الاقل ازدهارا... ول اشك ان في تلك الحادثة التي تحولت الى مسلسل للمظاهرات واعمال الشغب التي اعتبرت بانها الاسوا منذ سبعينات القرن الماضي والتي اطاحت بالحكم العسكري انذاك قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء لتضع الحكومة في وضع لا تحسد عليه والامر لم يعد مرتبطا بمجرد تقديم التعويضات والمساعدات لاصحاب المحلات التي تعرضت للتخريب والاعتداء ولكن بما يتجاوز البحث عن حلول مادية مؤقتة الى ما يساعد على استعادة ثقة الاغلبية الثائرة والرضوخ لمطالبها بمساءلة ومحاسبة كبار المسؤولين عن مختلف الازمات المتراكمة على الساحة اليونانية والتي لم تكن قضية مقتل المراهق الشاب سوى القطرة التي افاضت الكاس وعجلت بتحريك الشارع اليوناني واثارة مخاوف القمة الاوروبية المنعقدة في بروكسيل ومعها حكومة الحزب الاشتراكي التي لا تحظى الا باغلبية صوت واحد بما يجعل خياراتها محدودة في التعامل مع الشارع اليوناني المتأهب لكل الاحتمالات والتوقعات وهو الذي كان له دوره في تغيير المشهد السياسي اليوناني في أكثر من مناسبة...