«يساعد على نموّ الجسم»... «يسهّل الهضم»... «يقوّي العظام ويحميها من الهشاشة»... «يقوّي المناعة»... «يوصي به لعلاج...» «يحمي من...»... عبارات عديدة نقرؤها على بعض المعلبات الغذائية وتحيلنا أحيانا الى العبارات نفسها التي نقرؤها على الجذاذات الفنية المرافقة لعلب الدواء... فتتحوّل عُلب الياغرت والحليب والزبدة والاجبان وقوارير المياه المعدنية والعصائر والمشروبات وعلب البسكويت والشكلاطة والحلويات وغيرها في ذهن المستهلك الى مصدر علاج بعض الامراض ووقاية منها، والى معوّض للغذاء الاساسي الطبيعي ولوسائل الوقاية العادية من الامراض وربما للادوية اللازمة للعلاج... فهل أن مصنّعي المعلبات الغذائية الحاملة لمثل هذه «الادعاءات» جادّون في ما يقولون ويتمتعون بالحرية التامة في ذلك؟ وهل يمكن لمنتوج غذائي أن يتحوّل فعلا الى مصدر علاج ووقاية؟ أم أن الامر لا يعدو أن يكون مجرد إشهار تجاري للبحث عن ترويج المنتوج؟» ألا ينظم القانون هذه المسألة وهل تقع مراقبة صحية وطبية وعلمية لهذه المنتوجات للتثبت من ادعاءات مصنّعها؟ في فرنسا، أثيرت مؤخرا «حكاية» منتوجين غذائيين معروفين يقع الاشهار لهما باستمرار على أن أحدهما، وهو موجّه للكبار، يساعد على العلاج من اضطرابات الهضم (القبض) وعلى أن الثاني، وهو موجّه للرضع والاطفال، يقوي جهاز المناعة... وقد تحركت في هذا الاطار «السلطة الاوروبية لسلامة المواد الغذائية» (EFSA) واعتبرت أن الادعاءات الغذائية الخاصة بهذين المنتوجين غير ثابتة علميا وطبيا... وفي تونس، ورغم عدم وجود هيكل خاص ومستقل شبيه ب«إيفسا» الاوروبية، إلا أن الجهة العمومية الرسمية المهتمة بهذا الموضوع (وزارة الصحة العمومية والهياكل التابعة لها) تسهر على مراقبة مصنّعي ومنتجي المواد الغذائية بأنواعها على هذا الصعيد وتتثبت من حقيقة ادعاءاتهم وذلك من خلال تطبيق قرار مشترك بين وزراء الصحة والتجارة والصناعةصادر في هذا المجال في سبتمبر 2008 والمتعلق بتأشير وعرض المواد الغذائية المعلّبة... ويقول مصدر من وزارة الصحة إن هذا القرار شامل وكامل ولم يترك أي باب للاجتهاد والتأويل في ما يتعلق بالادعاء فوق المعلبات الغذائية والاشهار لها... مسموح بما أن الامر يتعلق بمواد غذائية مصنعة ومحوّلة، فإنه من الطبيعي أن يلجأ المصنعون الى عدة طرق وتقنيات صناعية لاضافة عدة عناصر مغذية وفيتامينات وأملاح ومعادن وألياف وبروتينات وغيرها الى منتوجاتهم، وذلك طبقا للمبادئ العامة المتعلقة بإضافة عناصر مغذية أساسية للمواد الغذائية التي حددها القانون، وشريطة أن يكون ذلك لاغراض غذائية... «فمن حيث المبدأ، هذه الاضافات الغذائية ممكنة» على حد قول مصدر صحي... كما أن الاشارة لها فوق المعلبات الغذائية ممكنة أيضا في حدود ما نص عليه القرار الوزاري المذكور... رُضّع... ومياه نصّ قرار سبتمبر 2008 في فصله الاول على أن الادعاءات المتعلقة بالتغذية والصحة بالنسبة لأغذية الرضع والاطفال والمياه المعدنية ممنوعة مبدئيا إلا إذا سمحت بذلك أحكام خاصة سارية المفعول... فمصنّع غذاء موجّه للرضع أو الأطفال أو كذلك مصنّع مياه معدنية لا يمكنه استعمال أي إدّعاء صحّي أو غذائي فوق منتوجه الا اذا سمح له بذلك نصّ تشريعي خاص صادر في الغرض. مغالطة تراقب المصالح المعنية بوزارات التجارة والصناعة والصحة باستمرار المواد الغذائية المعروضة للعموم وذلك للتأكد من صحّة ما يرد عليها من تأشيرات غذائية وذلك عبر اجراء عيّنات وتحاليل بشكل دوري ومستمرّ... وجاء في الفصل 3 من قرار 2008 أنه «يجب أن لا تصف بطاقة تأشير المواد الغذائية المنتج او تقدّمه بطريقة غير صحيحة أو كاذبة أو خادعة أو من شأنها اعطاء انطباع مغلوط في ما يتعلق بطبيعته الحقيقية». كما ينصّ القرار أيضا على أن التأشير يجب ان لا يمنح المادة الغذائية تأثيرات وخصائص لا تمتلكها أو أن يشير الى أن لهذه المادّة الغذائية خاصيات مميّزة في حين أنها متوفّرة في كل المواد المشابهة. علاج هل يمكن لمنتوج غذائي مصنّع أن يتحوّل الى مصدر علاج ووقاية من بعض الامراض؟ مبدئيا ينص قرار سبتمبر 2008 على أن كل تأشير على مادة غذائية معلّبة، يجب ان لا يؤدي الى منح المادة الغذائية خاصيات وقائية وعلاجية وشفائية إزاء مرض بشري أو الاشارة الى هذه الخاصيات باستثناء الاغذية الموجهة للرضع والمياه المعدنية وكلاهما خاضع لأحكام خاصة تسمح بذكر هذه الخاصيات على المعلبات او في الاشهار. وبالتالي فإن كل مصنّع يشير على منتوجه الى أنه «يعالج مرض كذا» أو «يحمي من مرض كذا» أو «يُستعمل للشفاء من...»، يعتبر مخالفا للقانون ويعرّض منتوجه للحجز ولمنع البيع للعموم. وفي السياق ذاته، ينصّ القرار على أنه يحجّر الادعاء (أي الاشهار التجاري وغيره) أن للمادة الغذائية المعنية القدرة على الوقاية أو التخفيف او المعالجة أو الشفاء من أي مرض أو اضطرابات أو حالات فيزيولوجية معيّنة... وعلى صعيد أخر، ينصّ القرار على أنه يُمنع الادعاء (الاشهار) بأن الغذاء العادي والمتوازن لا يوفر العناصر المغذية المتوفرة في المنتوج المعني بالادعاء، كما يمنع الادعاء بأن هذا المنتوج يوفّر جميع العناصر المغذية الأساسية بكمية كافية ما عدا بالنسبة لأغذية محددة ومعرّفة وينظمها ترتيب خاص يجيز مثل تلك الادعاءات أو باقرار مماثل من السلطات المختصة... وتمنح أيضا الادعاءات التي تثير عند المستهلك شكوكا او مخاوف حول سلامة الغذاء المماثل. حجج علمية ينص الفصل 74 من القرار المذكور على أن الادعاءات المتعلقة بالصحة المسموح بها يجب ان تقوم على براهين علمية دامغة ومحيّنة حول العنصر المغذّي الذي تتم اضافته للغذاء الاصلي. كما أنه يُمنع استعمال الادّعاء المتعلق بالصحة إذا كان يحث على الافراط في الاستهلاك الغذائي او يُقلّل من شأن العادات الغذائية الحسنة. طبيّة يوجد صنف من الأغذية المعدّة لغايات طبيّة خاصة وهي صنف من مواد الحمية والنظم الغذائية التي تم تحويلها بصفةخصوصية واعداد تركيبتها لمعالجة المرضى ولا يمكن استعمالها الا تحت مراقبة طبيّة... ورغم أن الاشهار للعموم ممنوع بالنسبة لهذه الأغذية الا أن التأشير عليها لغاية ذكر خصائصها ومكوناتها ونجاعتها في العلاج ممكن عكس المواد الغذائية الاخرى. وعموما، يبقى دور المستهلك في هذا المجال هاما فلا يجب ان تغرّه الادعاءات التي يلجأ إليها بعض مصنعي المواد الغذائية لترويج منتوجاتهم والاعلام ان لزم الامر عن مثل هذه الممارسات لمعاضدة الهياكل الرسمية المعنية بالمراقبة الصحية والاقتصادية في التصدّي للمخالفين.