تقع منطقة «المقيسمات» بعمادة مقدودش التابعة لمعتمدية القصرين الجنوبية وبرغم الدعم التي وفرته الدولة وخاصة عن طريق الصندوق الوطني للتضامن 2626 فقد اختار الأهالي الهجرة من منطقتهم هربا من شبح العطش الذي طالهم وطال دوابهم و أراضيهم. منذ سنة 1996 وبفضل المجهودات الجبارة التي أولتها السلط الجهوية والوطنية تم تحرير الأهالي من الظلام الذي كانوا يعيشون فيه بتمكينهم مجانا بكل مستلزمات الطاقة الشمسية، فأضيئت البيوت ليستمتع الأهالي برؤية بعضهم البعض ليلا كما تمكنوا من رؤية العقرب والأفعى التي كانت تنال منهم في جنح الظلام. كما تم تمكين هؤلاء الأهالي ومجانا ولكل عائلة بما قدره من 10 إلى 20 رأس غنم ليصبح لكل منهم مورد رزق يقتاتون منه ويزيد من تمسكهم بالأرض التي نبتوا فيها لخدمتها ولتنمية فلاحتهم. ومنذ عشر سنوات ازداد الأهالي فرحا وهم يرون قنوات المياه تمتد إلى كل بيت، والحنفيات واقفة شامخة تحتاج فقط لسكب مائها على أرض «المقيسمات» ولكن مرت الأيام وانقضت عشر سنوات لتبقى هذه الحنفيات مثل عدمها تحمل أملا طال انتظاره ولم يأت وعلى امتداد هذه السنوات كان الأهالي يضطرون إلى شراء صهاريج من المياه من منطقة «البحيرة» التابعة إلى معتمدية فريانة والتي تبعد حوالي 12 كيلومترا وذلك ليشربوا منه وتشرب أنعامهم وبعض أشجار الزيتون بعدما ملوا انتظار ضخ المياه في القنوات من البئر العميقة الموجودة ب«فج عرعار» الذي يبعد عنهم أكثر من 8 كيلومترا، والذي أصبح دائم العطل. وفي ظل العطش المستمر اضطر الأهالي إلى الهجرة من منطقتهم وكل سنة ترى موسما للهجرة فرادى وجماعات وخاصة إلى معتمدية فريانة ومن أجل هجرتهم وتوفير مسكن اضطروا إلى بيع ما حصلوا عليه من رؤوس أغنام وأدوات الطاقة الشمسية وفي فريانة اضطر هؤلاء المهاجرين إلى العمل في جمع الحلفاء أو الانخراط في عمليات التهريب وخاصة تهريب الآلات الكهرومنزلية ووقود السيارات. وبعدما كانت «المقيسمات» تضم أكثر من 300 عائلة بأفرادها العديدة أصبح لا يسكنها إلا بعض العائلات ممن لم تمكنهم ظروفهم المادية للهجرة والنزوح، ويأمل مواطنو «المقيسمات» في وصول المياه إليهم في أقرب الآجال للعودة إلى أراضيهم وخدمة فلاحتهم فهجرتهم إلى معتمدية فريانة لم تكن أبدا الحل الأمثل.