يوم أمس أكدت اسرائيل مرة أخرى أنها دولة غطرسة وعدوان... بالغطرسة والعدوان قامت... وبهما تستمر... ويوم أمس أكدت ما تنعت بأنها «الدولة الديمقراطية الوحيدة» وسط «غابة من الوحوش» أنها الوحشية بعينها وأنها تصرّ على أن تبقى وفيّة للنهج الذي اتبعته منذ زرعها على أرض فلسطينالمحتلة. فماذا يعني أن تتصدى بكل تلك القسوة وبكل تلك الوحشية لوفد تضامني تبقى حركته النبيلة رمزية ولا تشكل أي تهديد ولا يمكن أن تفتح أكثر من ثغرة في الحصار الصهيوني الجهنمي المضروب حول رقاب 1.5 مليون بشر يحرمون من أبسط ضروريات الحياة؟ وماذا يعني أن تطلق حكومة تل أبيب العنان لهاجسها الأمني ليقودها الى تلك المجزرة الرهيبة في حق أناس تطوعوا ليزرعوا زهرة أمل وحياة وحرية على أرض غزة التي يحولها الحصار الصهيوني الى بؤرة للبؤس والموت والقهر والمعاناة؟ وما معنى أن تستعمل حكومة تل أبيب كل تلك القوة المفرطة؟ هل هي رسائل لكل من يفكّر في ارسال قافلة تضامنية مع المحاصرين المظلومين في قطاع غزة؟ أم هو اصرار على تواصل جريمة القتل الجماعي البطيء التي تمارس بالحصار وبتواطؤ المجتمع الدولي الساكت عن عملية إبادة جماعية تنفذ على نار هادئة منذ نهاية العدوان العسكري على غزة؟ وما معنى أن يكتفي المجتمع الدولي بكلمات تنديد خجولة مغلّفة بعبارات الاسف للقوة المفرطة التي تمت بها الجريمة؟ وما معنى أن تركز الردود على ما جرى وتنسى أصل الداء ممثلا في الحصار الجائر المفروض على القطاع والذي يتواصل كما لو كان قدرا مسلطا على أهالي القطاع وعلى كل الشعب الفلسطيني عامة الذي يتوزع على نصفين: نصف تحت احتلال بغيض ونصف يكتوي بنار المنافي والشتات؟ هذه الجريمة البشعة يجب ان توقظ ضمير العالم وتفتح عيونه على المأساة الأكبر ممثلة في الحصار المفروض على القطاع وفي الاحتلال الذي يحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية المشروعة وفي طليعتها حقه في الانعتاق والتحرر وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وهذه الجريمة يجب أيضا ان تفتح عيون العالم «المتحضّر» الذي عوّدنا على أن يملأ الدنيا ضجيجا لأحداث لا تذكر تجد هنا أو هناك على الطبيعة العدوانية لهذا الكيان الغاصب والى حجم الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الانسان الفلسطيني. فكم يجب أن يموت من فلسطيني حتى يفتح العالم عيونه على مأساة الاحتلال الصهيوني؟ لقد جرّب العالم بالأمس الصمت على حصار العراق في تسعينات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي لتبقى نتائجه الكارثية وصمة عار في جبين الانسانية... ولا نعتقد ان الشعب الفلسطيني يحب أن يدفع هو الآخر مثل أخيه الشعب العراقي مليون ونصف المليون ضحية لكي ينتبه العالم الى مأساته.