بدأ التفكير هذه الايام في الاوساط المعنية بالاصلاحات الكبرى يتجه نحو ملف اصلاح أنظمة التقاعد وذلك بعد المصادقة على مشروع اصلاح نظام التأمين على المرض وختمه. ويُرجّح ان تنطلق المفاوضات بشأن هذا المشروع الاصلاحي في بدايات السنة المقبلة التي ستتزامن مع الشروع في تطبيق النظام الجديد للتأمين على المرض. والحقيقة ان هناك العديد من العوامل والمعطيات والمراكمات التي تجمعت فجعلت من اصلاح أنظمة التقاعد حاجة أكيدة تتطلب أولوية النظر وتسريع الانجاز. وأول المعطيات هو ان العجز الذي أصاب نظام الجرايات في القطاع العمومي منذ سنوات قد بدأ يتسرب الى القطاع الخاص. ويخشى اذا عم العجز نظام الجرايات في القطاعين ان تكون له استتباعات خطيرة قد تصل في النهاية الى اختلال كبير في التوازن المالي للصناديق الاجتماعية وهو ما يؤثر على نوعية ومستوى الخدمات التي تقدمها للمضمونين. وهناك جملة من المعطيات الاخرى التي تدفع نحو ترجيح قرضية العجز من ذلك التزايد المطرد في عدد المتقاعدين مقابل الاستقرار او التراجع في عدد النشيطين المباشرين الذين يشكلون الطرف الذي يوفر الجرايات للمتقاعدين وفق مقتضيات النظام التوزيعي الذي تعتمده الصناديق الاجتماعية في ما يتعلق بتمويل نظام الجرايات. ومع هذا الاختلال بين النفقات والمداخيل المخصصة لنظام الجرايات يضاف عامل اخر مؤثر جدا في هذا النظام وهو ارتفاع معدل أمل الحياة عند الولادة الذي بلغ قرابة 74 سنة وينبؤ بأن مدة الانتفاع بجراية التقاعد ستكون أطول وهو ما يعني بالتالي نفقات أكبر. زد على ذلك ان القانون يسمح بأن تنتقل الجراية الى الخلف (القرين والابناء على قيد الحياة) بعد وفاة المنتفع. ويتزامن كل هذا مع نسبة مساهمة ضعيفة لنظام الجرايات تصل الى نحو 15% من أصل المساهمات الاجتماعية في الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والى 12,5%فقط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. أما قيمة جراية التقاعد في حد ذاتها فإنها تصل كحد أقصى الى حدود 90 من معدل أجر السنوات الثلاث الاخيرة بالنسبة الى من أمضى 40 سنة خدمة في القطاع العمومي والى 80 فقط من معدل أجرة العشر سنوات الاخيرة بالنسبة الى أعوان القطاع الخاص. ولم يطرح الى حد الآن اي طرف صفة أو خطة واضحة للاصلاح غير ان المطلوب بشكل عام هو ان تتم اعادة النظر في أنظمة التقاعد بشكل يضمن التوازنات المالية والحفاظ على النظام التوزيعي الذي يرتكز على التكافل والتضامن بين الاجراء والحفاظ على ديمومة هذا النظام ايضا. كما تجمع مختلف الجهات المعنية بملف الاصلاح على ضرورة اعداد دراسة يتم على ضوئها تحديد كافة الفرضيات والاحتمالات المتصلة يتطور أنظمة التقاعد. يذكر ان هناك حاليا نحو 12 نظاما خاصا بجرايات التقاعد منها 9 أنظمة تعود الى القطاع العمومي الذي يضم قرابة 150 ألف منتفع بالجراية والبقية تهم القطاع الخاص الذي يجمع العدد الاكبر من المنتفعين والمقدر بأكثر من 300 ألف منتفع.