massoudiabdelhalim@yahoo.fr (1) من اللغة والفكر اليوناني كله, لم يحتفظ اليهود الغربيون إلا بكلمة واحدة هي كلمة أوعبارة «الهولوكوست» Holocauste. والتي تعني في أصلها الإتيمولوجي «المحرقة», أوتقديم القربان الذي يُحرق كاملا على نار المذبح استرضاء للآلهة. وأصبح هذا التعبير في الثقافة الرومانية أي هولوكوستوم Holocaustum (وهوالحرق الكامل) عبارة لوصف الطريقة التي تدل على نوع من العقاب التام بإبادة كل أثر حيّ عن طريق النار وذلك تنفيذا للعقيدة الحربية الرومانية التي تعتبر من ينهزم في المعركة قد سُلّط عليه العقاب الإلهي ولذلك يجب محوه تماما من خلال الإبادة بواسطة النار. هذا ما فعله شبيون الإفريقي حين هزم حنبعل في معركة زامة فأمر بإبادة جثث المحاربيين القرطاجنيين بواسطة النار وإذابة وصهر حتى أسلحتهم تنفيذا للحكم الإلهي . ولقد تحوّلت هذه العبارة عند اليهود الغربيين إلى عنوان لعقيدة تاريخية راسخة غيرت مفهوم الحداثة في الفكر الغربي نفسه الذي بدأ يؤرخ وهوالذي يدعي أنه الوريث الشرعي للفكر الإغريقي ما قبل وما بعد محرقة اليهود في الأفران النازية. (2) غير أن حدث الهولوكوست على قسوته التاريخية وفضاعته الأخلاقية, قد حُوّل في الفكر الصهيوني بعد الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي والمتزامن مع إعلان قيام دولة إسرائيل على حساب أرض الفلسطينيين وأجسادهم , إلى آلة جهنمية يستعملها الصهاينة لتنفيذ مشروعهم العدواني وتبرير أفعالهم دون حرج أخلاقي أو تاريخي أو قانوني في اغتيال الآخرين وإبادتهم. إلى درجة أن حدث الهولوكوست نفسه تحول على يد اليهود الصهاينة إلى عنوان محرّم يعاقب كل من يلمّح إلى التشكيك فيه إلى درجة أن ساركوزي الرئيس الفرنسي الحالي اجتهد في ترسيخ هذا المبدأ مبدأ الاعتراف بالمحرقة النازية في العقيدة الجمهورية حينما دعا إلى اجتراح مناسبة سنوية في المدرسة الفرنسية يتم من خلالها الاحتفال وطنيا من أجل الطفل اليهودي المجهول الذي أحرق في أوشفيتز. (3) ويراهن اليهود الصهاينة وخاصة الأنتلجنسيا اليهودية الصهيونية في العالم وبكل الوسائل على تحويل الهولوكوست إلى أيديولوجيا ثابتة وسرمدية قادرة على الصمود أمام الانهيارات الأيديولوجية التي شهدها العالم الحديث في أواخر المنتصف الثاني من القرن الماضي . تلك هي القاعدة التي تجذرت تماما في أذهان الأجيال لا اليهودية فحسب بل في العالم الغربي كله, والاستثناء في فضح هذا الرّهان ضئيل وضئيل جدا . وهوالاستثناء الذي يمثله مفكر وجامعي حر مثل نورمان فانكلشتاين Norman Gary Finkelstein (من مواليد 1953 في نيويورك) وهو يهودي أمريكي من أصول أشكينازية بولندية, والذي شكلت دراسته الشهيرة «صناعة الهولوكوست» - The Holocaust Industry Reflections on the Exploitation of Jewish Suffering وهي في الأصل أطروحة دكتوراه (1984) ضربة مدوية في الأوساط الأكاديمية والسياسية في الغرب , ولا يزال هذا المفكر يواجه التعتيم والعداوة في مجمل أعماله الفكرية المخصصة كلها لتناول الصراع العربي الإسرائيلي. فأطروحته تفضح بشكل واضح كيف أنه تمّ ويتمّ صناعة أيديولوجيا الهولوكست من طرف المنظمات اليهودية كالمؤتمر اليهودي العالمي والشخصيات اليهودية كالكاتب والمؤرخ إيليا فيزال Elie Wiesel الذين يستعملون فكرة «الشواه» أو المحرقة من أجل هدف سياسي وهومساندة السياسة الإسرائيلية أومن أجل هدف تجاري والمتمثل في إستعمال دعاية المحرقة لإبتزاز البنوك الألمانية والسويسرية باسم التكفير عن الذنب الغربي تجاه اليهود. (4) في الشهر الماضي قدم نورمان فانكلشتاين في جامعة واترلومحاضرة حول الابتزاز الصهيوني للعالم أمام طلبة العلوم السياسية ... إحدى الطالبات الشقروات المراهقات قاطعت حديث المحاضر بالبكاء بتعلة كونه تناسى آلام اليهود الألمان في العهد النازي ونعت الإسرائيليين بالنازيين... الطالبة أجهشت ببكاء ونحيب هستيري, فأجابها فانكلشتاين: «أنا لا أحترم دموع التماسيح, لوكنت تملكين قلبا لبكيت على الفلسطينيين...» وأمرها بالتوقف عن البكاء والمزايدة , مذكرا إياها أنه قد فقد والده في محرقة أوشفيتز, ووالدته في معتقل نازي وبقية أهله وأفراد عائلته... كان فانكلشتاين يرى في دموعها دموعا كاذبة, وهي دموع من جملة الصناعة الاستعطافية للدفاع عن إسرائيل . (5) ربما يكون فالكنشتاين قاسيا في جوابه ذاك, وربما تكون دموع تلك الطالبة صادقة وليست دموع تماسيح. لكن أخطر ما في كل ذلك هو أن تكون دموعها حقيقية وصادقة , والأمر في هذه الحالة أن صناعة الهولوكوست كأيديولوجيا تغطي محرقة الشعب الفلسطيني وتجمّل بشاعة جرائم إسرائيل قد تحولت من الصناعة إلى الزراعة ومن الزراعة إلى الإستغراس ومن الإستغراس إلى الإستنبات الجيني... فهي ذي هذه الطالبة على قناعة راسخة من أن اليهود الصهاينة على حق, وقد تم إرضاع هذه القناعة في الحليب الأمومي, الذي حوّل قلب هذه الطالبة الشقراء المراهقة الأمريكية اليهودية إلى محرقة . (٭) – تحية للكوماندنتي دياغو أرماندو مارادونا ....