يمكن لبني آدم أن يتوقّع الأذى من بني جنسه الذي أصبح يتفنّن في ابتكار شتّى الأساليب في فنون الخداع وأعمال الشرّ.. أو من حيوان متوحّش معروف بالبطش والشراسة.. ولكن أن تتحول قطة أليفة ولطيفة الى عدوّة عنيفة تحمل حُقن الموت بين أنيابها ومخالبها فهذا أمر عجيب لا نشاهده إلا في أفلام الرعب وروائع «هيتشكوك». لكن المشهد تجسّم على ركح الواقع واستغرب منه كل الحاضرين والسامعين في كامل أنحاء معتمدية العلا. انطلق الفصل الأول من الحادثة في منطقة صيادة الجنوبية التي تقع شمال معتمدية العلا في بيت متواضع جدا يأوي امرأة بسيطة تجاوزت العقد السادس من عمرها لم يرزقها اللّه بالأبناء تعيش مع زوجها الردهات الأخيرة من العمر في صبر وقناعة راضيين بخصاصتهما فحوّلا حنانهما وعطفهما نحو الحيوانات الأليفة التي تعيش معهما وتؤنس وحدتهما.. ولم يتوقعا قسوة الحياة عليهما وينسف كل ما يملكانه بعد حادثة مرعبة فقدا على إثرها قطتهما المدلّلة وكلبيهما الوفيّين وشاتيهما. «الشروق» تحولت الى مكان الواقعة لمعرفة تفاصيل هذه الحادثة المثيرة.. انتهت بنا السيارة عند بيت صغير متداع قد تآكلت جدرانه تحيط به كروم الهندي من كل النواحي التي تخفي الأشجار والأحجار وفي الساحة الامامية التقينا بصاحبة البيت السيدة «أم الزين» التي تجاوزت العقد السادس من عمرها كانت تعرج في مشيتها وتحمل رباطا معقما بالأدوية في أسفل احدى ساقيها، حدقنا في ملامحها التي لاح عليها الوجوم من تأثير الصدمة وبدت شاردة الذهن، رحبت بنا في همس ثم نطقت بصوت خافت قائلة: «.. أعيش أنا وزوجي في هذا البيت التعيس الذي يفتقد الى أبسط ضروريات الحياة بما فيها دورة المياه وقد تعودنا على نمط عيشنا كانت تعيش معنا قطة وديعة منذ سنوات قليلة تأكل معنا وتنام الى جوارنا فتتمسّح على أيادينا ووجوهنا فأوليناها رعاية خاصة تليق بحسن عشرتها لنا وبما أنّ اللّه سبحانه وتعالى لم يرزقنا بالأبناء فقد وجهنا عطفنا وحناننا الى كل حيوان يعيش بيننا. مخالب الرعب والموت غابت القطة مؤخرا لمدة يومين على غير عادتها واختفت عن أنظارنا ولم نعد نسمع صوتها لا من قريب ولا من بعيد.. وكم كانت فرحتي عظيمة بعودتها ولكنها بدت في شكل غريب من حيث مشيتها وتكشيرة فمها ولون عينيها.. اعتقدت في البداية بأن الجوع والتعب قد نالا منها في مدة غيابها أو قد يكون أصابها مكروه.. فأسرعت إليها لأحضنها ولكن ما أن اقتربت منها حتى كشّرت عن أنيابها وكشفت عن مخالبها وقفزت في اتجاهي صوب وجهي فدفعتها بيديّ ولكنها كانت الأسرع لتنهش عضلة ساقي صرخت صرخة مدوية وسقطت على الأرض وأنا أرتعش من شدة الرعب وال هلع.. وقد همّت القطة المتوحشة بمعاودة الكرّة لتهاجمني ثانية لولا تدخل الكلبين في الوقت المناسب حيث استجابا لصراخي وفزعي واندفعا نحو القطة وحالا بيني وبينها بعد عراك لم أسمع وراءه إلا النباح والمواء.. ثم طارداها الى أن اختفوا عن أنظاري. نتائج التحاليل مرعبة تواصل أم الزين حديثها قائلة: بدأ العرق يتصبّب من جبيني وارتفعت الحرارة في كامل أنحاء جسدي وارتعدت مفاصلي من شدة الخوف والألم الى حين قدوم زوجي الذي أخذني على جناح السرعة الى المستشفى حيث وجدت كل الرعاية وتلقيت الاسعافات اللازمة.. وحسب نوعية الاصابة ومخلفاتها اتخذ القرار بقتل القطة فورا على أن يرفع الرأس الى قسم التحاليل للتيقن من الحالة الصحية لهذا الحيوان ولكن مع عودة زوجي الذي كان مرفوقا بالطبيب البيطري وأعوان الأمن لاحظ الجميع أن الشاتين قد تعرّضتا للعضّ والنهش على مستوى رأسيهما والدماء تسيل من أنفيهما ومع هذه الوضعية اتخذ الاذن الفوري بقتل كل الحيوانات التي التحمت وتشابكت مع القطة بما فيها الكلبان اللذان أنقذاني من خطر الموت والشاتان بعد أن اتضح أن القطة مصابة ب«داء الكلب». الزوج: الخوف من المجهول التقينا بعد ذلك بالزوج محمد بوراوي الغديقي الذي يبلغ من العمر 63 سنة وقد كانت تبدو عليه الكآبة فقال لنا بصوت خافت: «لقد شاء القدر بأن يموت الحيوان ويعيش الانسان في عذاب متجدد على مصير مجهول.. صمت الرجل برهة ثم أضاف قائلا: رغم أن الأحوال قد ازدهرت من حولنا وقد سمعنا بعديد المشاريع قد تحققت ورعاية اجتماعية واسعة النطاق أولتها السلط الجهوية للمعوزين وصغار الفلاحين.. ووقفنا على عديد القرارات التي اتخذها السيد والي القيروان لتحسين ظروف العيش لعديد العائلات عبر المعونات وآليات تشغيل الشباب إلا أن طبعي وعزة نفسي جعلاني أعيش في دائرة الظلام لم أتجرّأ يوما على طرق الأبواب الى أن أنهكني الكبر والمرض راضيا بحالي.. والآن بعد أن فقدت حيواناتي أحسست بغربتي ووحدتي وبدأ يراودني إحساس بالخوف من المجهول.. فكيف سيكون مصيري عند كبري وعجزي؟ ومن سيرعاني ويبكي على قبري بعد موتي فليس لي مال ولا بنون ولكني مازلت أؤمن بأن رحمة اللّه في السماء وأصحاب الخير في الأرض.. أملي أن أحصل على منحة للمعوزين حتى أقتات منها بقية عمري ومطلبي هذا ليس بعزيز على رجال يعملون بجهد لخدمة المواطن والوطن.