حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي انزعج كل من «سي أحمد» بن صالح وعلي بن سالم من الخبر الذي جاء من القاهرة، ومفاده أن خطة لاغتيال الهادي نويرة، سوف تنفّذ في تونس.. وكان صاحب المذكرات في العاصمة السويدية حيث يشارك في مؤتمر السيزل CISL (1953)، وكان وفد الاتحاد العام التونسي للشغل مكوّنا من محمود المسعودي والنوري بودالي ومحمد كريّم ومحمود الخياري، وهنا أضاف «سي أحمد» للتذكير بأن «الأستاذ صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الحر الدستوري، جاء الى «ستوكهولم» ممثلا للحزب، للمشاركة في فعاليات مؤتمر الاشتراكية الأممية، الذي يلي وفي نفس القاعة، مؤتمر السيزل». وهنا يواصل «سي أحمد» بن صالح ردّه على سؤالي أحد القراء بخصوص علاقته بالهادي نويرة، وكيف يرى بن صالح شخصية نويرة، وهما على طرفي نقيض من حيث التوجهات الاقتصادية؟ وقد بدا «سي أحمد» مبتسما، وهو يستمع الى الجزء الثاني من السؤال الثاني، فجاءت ابتسامته وكأنها تكذب أن يكون الرجلان (بن صالح ونويرة) على طرفي نقيض.. المهم، يواصل «سي أحمد» سرد حكاية خبر خطة اغتيال نويرة، والذي تناهى الى مسامعه عن طريق الفنان الرسام علي بن سالم المقيم في ستوكهولم، وهو الذي تلقّى الخبر من القاهرة.. يقول صاحب المذكرات: «كنّا في ستوكهولم، على موعد غداء في منزل علي بن سالم، أنا قادم من بروكسيل، ووفد الاتحاد قادم من تونس، وكان معنا على موعد الغداء الأستاذ صالح بن يوسف، الذي يشارك في مؤتمر الاشتراكية الأممية.. وقبيل الغداء، وكنّا مجتمعين في قاعة الاستقبال ، توجّه الأمين العام للحزب (صالح بن يوسف) الى محمود المسعدي (عن المركزية النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل) وقال له: لا بدّ وأن تتحمّل مسؤولية إدارة الحزب.. وكان نويرة هو الذي يقوم بهذه المهمة.. وقد رفض المسعدي هذا الاقتراح.. وساد الجلسة شيء من الصّمت، وهنا طلبت من علي بن سالم، أن يوصلني بالبريد في تونس عبر الهاتف، وكان الجميع يستمعون الى المكالمة، حيث أوصلني مركز البريد السويدي لمركز تونس للبريد.. ووقع ذلك فعلا، وكنت أريد الاتصال بالهادي نويرة في تونس، ومن حسن الحظ أن الموظف الذي أجابني من تونس، كان تونسيا ولم يكن فرنسيا، هذا لأن وظائف عديدة في البريد كان يشغلها فرنسيون (الاستعمار) فقلت له (موظف البريد) وكان الجميع ينصت الى ما أقول: «من فضلك أريد أن تعطيني رقم هاتف الأستاذ الهادي نويرة.. وترقّبت لحظة، ثمّ عاد إليّ ليقول لي المتحدث من تونس: «لا وجود لهذا الاسم ولا رقم عندنا بالاسم الذي ذكرته..» فقلت له: «كيف يكون ذلك، هذا محام معروف ومسؤول سياسي معروف أيضا، ولا يوجد إسمه على كشف الأرقام؟ إنني أريد أن أتصل به».. وقلت له انني أردت أن أبلّغ نويرة، أن الأستاذ صالح بن يوسف هنا يريد أن يخاطبه، فقال: ليس عندنا هذا الاسم.. وانقطعت المكالمة.. وكان عندي اطمئنان وثقة أن هذا الجواب، سوف يبلّغ الى من يهمّه الأمر.. ولم يرد أيّ تعليق من الحضور.. على كلامي.. وقد أراحني هذا الأمر..». وهنا واصلت الاستفسار بسؤال: من كان معنيّا بخبر اغتيال نويرة؟ فقال: لخّصنا الأمر أو لنقل اختزلنا أمر المكالمة، أنا وعلي بن سالم على أساس أن الموظف التونسي بالبريد، سوف يُعلم المسؤولين (في الحركة الوطنية) بفحوى المكالمة.. وأن الأستاذ صالح بن يوسف يريد أن يتّصل بالهادي نويرة وأن الخبر الذي ورد من القاهرة بشأن اغتيال الهادي نويرة، سيسقط (...) وكان اعتقادي راسخا، بأن الموظف فهم.. وبلّغ الرسالة.. وواصل «سي أحمد» القول: ساد الصّمت.. ولم يصدر تعليق من أيّ أحد من الحضور.. وتناولنا الغداء في منزل علي بن سالم، وهناك طلب مني صالح بن يوسف، أن أبقى في ستوكهولم بعد مؤتمر السيزل.. أبقى معه لحضور مؤتمر الاشتراكية الأممية.. وأعلمت هولدن بروك الأمين العام ل«السيزل» ووافق مشكورا، وبقيت مع صالح بن يوسف، الذي ألقى كلمة في المؤتمر عن القضية التونسية، وكان مؤتمر الاشتراكية الأممية أول مؤتمر بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أعددنا معا، خطاب بن يوسف عن القضية.. حيث كان التوقيت أو الظرفية التي تمرّ بها القضية التونسية، خاصة جدا: استشهاد حشاد وتطور الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي..