قالت الداية وما هي بعرافة ولا فلكية اسمعي لن يشع وهجه، ولن تتحقق أسطورته، وكانت توجه كلامها لأمي، وهي لم تخرج من آلام مخاضها بعد، كنت حين أراها أنفر من وجهها القبيح، وأفر من مواجهتها، رباني الجبروت كما أراد، جعلني أعمى في دروب الحياة، لا تتحرك.. تتنفس..تتكلم..تفعل. نموت مقوسا بشكل لا، ساقين متباعدتين، نظرات مندهشة بلا رؤية تقودني الى السقوط. صرخوا: اقبضوا عليه هذا الخائن اللعين. حدث ذلك حين اقتادوني وألبسوني ثيابا ما عرفتها من قبل، وحذاء بعنق طويلة، وحملّوني بندقية. سدّد، لا أجيد التسديد، أطلق، اقفز، ارتد (الكمامة) ، انزعها، صرت أنفذ ولم أتجرأ أن أطرح سؤالا: لماذا؟ وبتحفز قلق. وذل مريع. وبخوف، تشكلت بداخلي ذرات ابهام عما سموه الوطن، ويتحدثون عنه، وبصمتي ودهشتي أفتش في سره، لونه، شكله، من يكون، متى يأتي، أهو رجل مثل أبي؟! أم امرأة تشبه الداية؟ لأني الخائن، جرجروني بين القاعات، لأرى رجالا على صدورهم نياشين تبرق، فوق أكتافهم نجومٌ ذهبية تلمع، وكانوا دائما أشد عبوسا وقسوة، مثل جبروتي، يكررون جرمه، فحفظت الكلمة، رددتها، جرمي..جرمي.. يضربونني، وأخاديد الجبروت بدماغي وأجهل ما هو جرمي؟ ومتى ينتهي؟ ولماذا تلبسني؟ وما عليّ أن أفعل؟ شكلك الشيطاني . استهواني، لذلك اخترتك. وضعت كف يدي فوق سرتها، أحسست بالبرودة والدفء المدغدغ للمرة الأولى، ارتفعت. طرت. بكيت. أدخلت أنفي بالشق. تذوقت رائحة مالحة. حلوة. تفاحية. ففقدت الوعي. استعدته على صراخها. تصفعني بشدة. قم يا ابن الكلب. لا تمت هنا داهمني غليان، استفاق بي شيء، انتصبت أمامي كجذع شجرة يابسة، ووسطها الذي لم أفك طلاسمه يهتز، كنت ألهث، والكلب بدماغي لأني ابنه، لساني خارج فمي، طردتني، بصقت في وجهي. إنه الحزن.. أنا الآن حزين وبداخلي بقايا من شظايا حطامي. لن تتحقق أسطورتك. ولا وهجك سيشع.. فامض بالعيش يا بني، وفتش عن المصير. مضيت.. حمّلوني أثقالا من ممنوعات، أجول بها البلاد وأجتاز حدودها، أقبض أثمانها، أعطيها لهم مقابل القليل جدا، يصفقون لي. أحسنت أيها المحترم اذن، أنا محترم فيعجبني ذلك حاصرني (بمسدس) صوب فوهته باتجاه قلبي أنت مطوّق لا تقاوم مطوّق لا تقاوم، لم أفهم ماذا يريد، استسلمت له، فخاف من بساطة استسلامي، وطوقي يطوقني. صرخ: كيف تجرأت على حمل هذه (البلاوي) كيف حدث ذلك. لم أستطع طرح السؤال، أخذ المحفظة التي كنت أحملها. أنت خطير وخارج عن القانون خطير. قانون. جرمي. محترم. السرة. مطوق. بلاوي. ابن الكلب. أخاديد دماغي. الفرار من العدو. صرخ: يا لك من عنيد. اعترف. سأعترف. ماذا تنتظر يابن الكلب؟ رفعت الى الأعلى ساعدي، وبضعف ووهن، بصوتي المخنوق، وأشلاء نباحي وأسطورتي التي لن أعرفها، وسواد وهجي ولن يشع أبدا، صرخت: يا هولي المريع، ما أنا فاعل الا ما تريد، فخلصني من جبروت جحيمك، وافتراس ذاتي، وفيروس فراري، واقذفني الى مسلك الحقيقة التي أجهلها، ينزف دمي، مقوسا، متباعدا، منعكسا، تحاذيني الحياة سيري، دون مفاتيح وكلام، يلفني دخانها القاتم، وأمشي. لماذا استسلمت؟ وكان يمكنك الهرب. ما حصل أنني هربت من المعركة، رحت أجري دون اتجاه لأضيع المنافذ، وهو خلفي مقفلا الكون من حولي، ولم أكن أدرك معنى الحرب، فسموها خيانة وطن، وفرار من مواجهة، وحين حاصرني بالمسدس وفوهته الى قلبي، لم أفكر كي لا أخون. أمسكت كفي، وضعتها فوق السرة، فغبت بنشوة ملح التفاح، وماذا عليّ أن أفعل سوى الفرار الى اللاوعي. بصقت في وجهي. يا ابن الكلب بأية مغارة كنت تحيا. أجب على السؤال. لماذا فررت من أرض المعركة؟ ضربوني. كسروا عظامي. يريدون النقود. هنا قبرك ان لم نستردها، فهي حقنا يا سافل. تهت في أمر قراري، فالفرار خيانة، والاستسلام خيانة، حتى حلّ يوم اعدامي، وقتذاك ألبسوني ربطة عنق وثياب أنيقة، قالوا: جعلناك مسؤولا كبيرا فنفذ ما نطلب، عليّ أن أوقع، أحمل القلم، أضع على الورقة (خربشة) ما، فتهبط ثروات على هذا أو ذاك، نهر جارف من مسؤوليات، فيها الدمار، والقتل، والبدايات، والنهايات المفجعة، وقع. مزق. اغلق الباب. افتحه. تنازل. ارفض. وافق. وبمجملها كانت خيانات، وفرار، وكثيرات من نسوة قدمن سررهن، لكني لم أتذوق سوى طعم ملوحة التفاح اياه، وقد بصقت في وجهي لتخرجني من مغارة عيشي، ولم أخرج. الجياع والهياكل يريدونني أن أحرر قراري من عماه، وأسأل ما تبقى من رمادي، وأنا بصرت الذين غادروا قبل ثوان فقط وهم فوق نعوشهم. أي قرار يرجع لي بصري، وأنا الموشوم بالأغلال. كان أشرس وأشد فتكا ولن أعرف أسطورتي ووهجي، راقدا بليل لا ينتهي. وهو يردد بالجبروت المحفور بدماغي: سأعيد ترميمك لأبقى أجلدك، ولن أتيح لك فرصة للنهاية كي لا تهرب من سوطي. وتحت نعال تحمل أطنان القذارة وروائحها تمددت على نعي قراري، متجها بكامل وضاعتي صوب الفرار الذي ما اخترته يوما، وتقودني نفسي اليه لأنه المصير؟ رئيس فرع اللاذقية لاتحاد الكتاب العرب في سوريا